التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٤٠
-التوبة

الدر المصون

قوله تعالى: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ }: هذا الشرط جوابُه محذوف لدلالة قولِه: "فقد نصره" عليه، والتقديرُ: إنْ لا تنصروه فسينصره. وذكر الزمخشري فيه وجهين، أحدهما ما تقدم، والثاني: قال: "إنه أَوْجب له النُّصْرَة، وجعله منصوراً في ذلك الوقت فلن يُخْذَلَ مِنْ بعده". قال الشيخ: "وهذا لا يظهرُ منه جوابُ الشرط لأنَّ إيجابَ النصرةِ له أمرٌ سَبَق، والماضي لا يترتَّب على المستقبل فالذي يَظْهر الوجهُ الأول".
قوله: { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } منصوبٌ على الحال مِنْ مفعول "أخرجه" وقد تقدَّم معنى الإِضافة في نحو هذا التركيب عند قوله
{ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [المائدة: 73]. وقرأت جماعة "ثاني اثنين" بسكون الياء. قال أبو الفتح: "حاكها أبو عمرو" ووجهُها أن يكونَ سَكَّن الياءَ تشبيهاً لها بالألفِ، وبعضُهم يخصُّه بالضرورة.
قوله: { إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ } : بدلُ مِنْ "إذ" الأولىٰ فالعاملُ فيها "فقد نَصَره"، قال أبو البقاء: "ومَنْ مَنَع أن يكونَ العاملُ في البدلِ هو العامل في المبدل منه قَدَّرَ عاملاً آخر، أي: نصره "إذ هما في الغار".
و "الغار" نَقْبٌ يكونُ في الجبلِ، ويُجمع على غِيران ومثله: تاج وتِيْجان، وقاع وقِيعان. والغارُ أيضاً نَبْتٌ طيبُ الريح، والغارُ أيضاً الجماعة، والغاران البطن والفرج. وألف الغار عن واو.
قوله: { إِذْ يَقُولُ } بدلٌ ثانٍ من "إذ" الأولى. وقال أبو البقاء: "إنَّ إذ هما في الغار، وإذ يقول ظرفان لثاني اثنين"، والضمير في "عليه" يعود على أبي بكر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عليه السكينة دائماً. وقد تقدم القول في
{ ٱلسَّكِينَةَ } [البقرة: 248]. والضمير في "أيَّده" للنبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ مجاهد "وأَيَدَه". بالتخفيف. و "لم تَرَوْها" صفة لجنود.
قوله: { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } الجمهورُ على رفع "كلمة" على الابتداء، و "هي" يجوزُ أَنْ تكونَ مبتدأ ثانياً، و "العُلْيا" خبرها، والجملة خبر الأول، ويجوز أن تكونَ "هي" فصلاً و "العليا" الخبر. وقُرِىء "وكلمةَ الله" بالنصب نسقاً على مفعولَيْ جَعَلَ، أي: وجعل كلمة الله هي العليا. قال أبو البقاء: "وهو ضعيفٌ لثلاثة أوجه، أحدها: وَضْعُ الظاهرِ موضعَ المضمر، إذ الوجهُ أن تقولَ: وكَلِمَتُه. الثاني: أن فيه دلالةً على أنَّ كلمة الله كانت سُفْلى فصارت عليا، وليس كذلك. الثالث: أن توكيدَ مثلِ ذلك بـ"هي" بعيد، إذ القياسُ أن يكونَ "إياها". قلت: أما الأولُ فلا ضعفَ فيه لأنَّ القرآنَ ملآنُ من هذا النوع وهو مِنْ أحسنِ ما يكون لأن فيه تعظيماً وتفخيماً. وأمّا الثاني فلا يلزمُ ما ذكر وهو أن يكون الشيء المصيَّر على الضد الخاص، بل يدل التصيير على انتقال ذلك الشيء المُصَيَّر عن صفةٍ ما إلى هذه الصفة. وأمَّا الثالث فـ"هي" ليست تأكيداً البتة إنما "هي" ضمير فصل على حالها، وكيف يكون تأكيداً وقد نَصَّ النحويون على أن المضمر لا يؤكد المظهر؟