التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦١
-التوبة

الدر المصون

قوله تعالى: { أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ }: "أُذُن" خبر مبتدأ محذوف، أي: قل هو أُذُنُ خيرٍ. والجمهور على جرِّ "خيرٍ" بالإِضافة. وقرأ الحسن ومجاهد وزيد بن علي وأبو بكر عن عاصم "أُذنٌ" بالتنوين، "خيرٌ" بالرفع وفيها وجهان، أحدهما: أنها وصف لـ"أُذُن". والثاني: أن يكون خبراً بعد خبر. و "خير" يجوز أن تكون وصفاً من غير تفضيل، أي: أُذُنُ ذو خيرٍ لكم، ويجوز أن تكونَ للتفضيل على بابها، أي: أكثر خير لكم. وجوَّز صاحب "اللوامح" أن يكونَ "أذن" مبتدأ و "خير" خبرها، وجاز الابتداءُ هنا بالنكرة لأنها موصوفةٌ تقديراً، أي: أذنٌ لا يؤاخذكم خير لكم مِنْ أُذُنٍ يؤاخذكم.
ويقال: رَجُلٌ أُذُنٌ، أي: يسمع كل ما يقال. وفيه تأويلان أحدهما: أنه سُمِّي بالجارحة لأنها آلة السماع، وهي معظم ما يُقْصد منه كقولهم للربيئة: عين. وقيل: المرادُ بالأذن هنا الجارحة، وحينئذٍ تكونُ على حَذْف مضاف، أي: ذو أذن. والثاني: أن الأذن وصفٌ على فُعُل كأُنُف وشُلل، يقال: أَذِن يَأْذَن فهو أُذُن، قال:

2506 ـ وقد صِرْتَ أُذْناً للوُشاة سَميعةً ينالُون مِنْ عِرْضي ولو شئتَ ما نالوا

قوله: { وَرَحْمَةٌ }، قرأ الجمهور: "ورحمة"، رفعاً نسقاً على "أذن ورحمة"، فيمن رفع "رحمة". وقال بعضهم: هو عطف على "يؤمن"؛ لأن يؤمن" في محل رفع صفة لـ"أذن" تقديره: أذن مؤمنٌ ورحمةٌ. وقرأ حمزةُ والأعمش: "ورحمة" بالجر نسقاً على "خير" المخفوض بإضافة "أذن" إليه. والجملة على هذه القراءة معترضةٌ بين المتعاطفين تقديره: أذن خير ورحمة. وقرأ ابن أبي عبلة: "ورحمةً نصباً على أنه مفعول من أجله، والمعلل محذوف، أي: يَأْذَنُ لكم رحمةً بكم، فحذف لدلالة قوله: { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ }.
والباءُ واللام في "يؤمن بالله"ويؤمن للمؤمنين" مُعَدِّيتان قد تقدَّم الكلامُ عليهما في أول هذه الموضوع. وقال الزمخشري: "قصد التصديقَ بالله الذي هو نقيض الكفر فعدَّىٰ بالباء، وقصد الاستماعَ للمؤمنين، وأن يُسَلِّم لهم ما يقولون فعدَّىٰ باللام، ألا ترىٰ إلى قوله:
{ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } [يوسف: 17]. ما أنباه عن الباء، ونحوه: { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ } [يونس: 83] { { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } [الشعراء: 111] { { آمَنتُمْ لَهُ } [الشعراء: 49]. وقال ابن قتيبة: "هما زائدتان، والمعنىٰ: يصدِّق الله ويصدِّق المؤمنين" وهذا قولٌ مردودٌ، ويدلُّ على عدم الزيادة تغايرُ الحرف الزائد، فلو لم يُقْصَدْ معنىً مستقلٌ لَمَا غاير بين الحرفين وقال المبرد: "هي متعلقةٌ بمصدرٍ مقدر من الفعل كأنه قال: وإيمانه للمؤمنين". وقيل: يقال: آمنتُ لك بمعنى صَدَّقْتُكَ، ومنه { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } . وعندي أن هذه اللامَ في ضمنها "ما" فالمعنىٰ: ويصدِّق للمؤمنين بما يُخبرونه به. وقال أبو البقاء: "واللام في للمؤمنين زائدةٌ دَخَلَتْ لتفرِّقَ بين "يؤمن" بمعنى يُصَدِّق، وبين يؤمن بمعنى يثبت الإِيمان".