التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٤٢
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٤٣
-البقرة

التسهيل لعلوم التنزيل

{ سَيَقُولُ } ظاهره الإعلام بقولهم قبل وقوعه، إلاّ أن ابن عباس قال: نزلت بعد قولهم { ٱلسُّفَهَآءُ } هنا اليهود أو المشركون أو المنافقون { مَا وَلَّٰهُمْ } أي ما ولى المسلمين { عَن قِبْلَتِهِمُ } الأولى وهي بيت المقدس إلى الكعبة { للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ } رداً عليهم لأن الله يحكم ما يريد، ويولي عباده حيث شاء، لأن الجهات كلها له { وَكَذَلِكَ } بعدما هديناكم { جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } أي خياراً { شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } أي تشهدون يوم القيامة بإبلاغ الرسل إلى قومهم { عَلَيْكُمْ شَهِيداً } أي بأعمالكم، قال عليه الصلاة والسلام: أقول كما قال أخي عيسى: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] الآية، فإن قيل: لم قدّم المجرور في قوله عليكم شهيداً وأخره في قوله: شهداء على الناس؟ فالجواب: أنّ تقديم المعمولات يفيد الحصر، فقدّم المجرور في قوله: عليكم شهيداً: لاختصاص شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته، ولم يقدّمه في قوله شهداء على الناس لأنه لم يقصد الحصر { ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ } فيها قولان: أحدهما: أنها الكعبة، وهو قول ابن عباس. والآخر: هو بيت المقدس، وهو قول قتادة وعطاء والسُدّي، وهذا مع ظاهر قوله: كنت عليها؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس، ثم انصرف عنه إلى الكعبة، وأما قول ابن عباس: فتأويله بوجهين: الأول: أن كنت بمعنى أنت، والثاني: قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى الكعبة قبل بيت المقدس، وإعراب (إلا التي كنت عليها) مفعول بجعلنا، أو صفة للقبلة، ومعنى الآية على القولين: اختبار وفتنة للناس بأمر القبلة، وأما على قول قتادة: فإن الصلاة إلى بيت المقدس فتنة للعرب، لأنهم كانوا يعظمون الكعبة، أو فتنة لمن أنكر تحويلها، وتقديره على هذا: ما جعلنا صرف القبلة، أما على قول ابن عباس: فإن الصلاة إلى الكعبة فتنة لليهود؛ لأنهم يعظمون بيت المقدس، وهم مع ذلك ينكرون النسخ، فأنكروا صرف القبلة، أو فتنة لضعفاء المسلمين؛ حتى رجع بعضهم عن الإسلام حين صرفت القبلة { لِنَعْلَمَ } أي العلم الذي تقوم به الحجة على العبد وهو إذا ظهر في الوجود ما علمه الله { يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } عبارة عن الارتداد عن الإسلام، وهو تشبيه بمن رجع يمشي إلى وراء { وَإِن كَانَتْ } إن مخففة من الثقيلة واسم كان ضمير الفعلة وهي التحوّل عن القبلة { إِيمَٰنَكُمْ } قيل صلاتكم إلى بيت المقدس واستدل به من قال إنّ الأعمال من الإيمان، وقيل: معناه ثبوتكم على الإيمان حين انقلب غيركم بسبب تحويل القبلة.