{ إِنْ كُنْتُمْ } شرط أو نفي { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } بالقلب أو اللسان أو باللسان خاصة، وهذا أمر على وجه التعجيز والتبكيت، لأنه من علم أنه من أهل الجنة اشتاق إليها، وروي أنهم لو تمنوا الموت لماتوا، وقيل: إن ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم دامت طول حياته { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ } إن قيل: لم قال في هذه السورة: ولن يتمنوه، وفي سورة الجمعة: ولا يتمنونه فنفى هنا بلن، وفي الجمعة بلا، فقال أستاذنا الشيخ أبو جعفر بن الزبير: الجواب أنه لما كان الشرط في المغفرة مستقبلاً وهو قوله: إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة جاء جوابه بلن التي تخص الاستقبال ولما كان الشرط في الجمعة حالاً، وهو قوله: إن زعمتم أنكم أولياء لله جاء جوابه بلا: التي تدخل على الحال، أو تدخل على المستقبل { بِمَا قَدَّمَتْ } أي لسبب ذنوبهم وكفرهم { عَلِيمٌ بِٱلظَّٰلِمينَ } تهديد لهم { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } فيه وجهان: أحدهما: أن يكون عطفاً على ما قبله فيوصل به، ولمعنى أن اليهود أحرص على الحياة من الناس ومن الذين أشركوا، فحمل على المعنى كأنه قال: أحرص من الناس ومن الذين أشركوا، وخص الذين أشركوا بالذكر بعد دخولهم في عموم الناس لأنهم لا يؤمنون بالآخرة بإفراط حبهم للحياة الدنيا.
والآخر: أن يكون من الذين أشركوا ابتداء كلام فيوقف على ما قبله، والمعنى: من الذين أشركوا قوم { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } فحذف الموصوف، وقيل: أراد به المجوس، لأنهم يقولون لملوكهم عش ألف سنة، والأول أظهر؛ لأن الكلام إنما هو في اليهود، وعلى الثاني يخرج الكلام عنهم { وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ } الآية: فيها وجهان؛ أحدهما: أن يكون هو عائد على أحدهم، وأن يعمر فاعل لمزحزحه، والآخر: أن يكون هو للتعمير وأن يعمر بدل.