التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ
٣٣
ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
٣٤
إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٣٥
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ
٣٦
فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٧
-آل عمران

التسهيل لعلوم التنزيل

{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ } الآية: لما مضى صدر من محاجة نصارى نجران أخذ يبين لهم ما اختلفوا فيه، وأشكل عليهم من أمر عيسى عليه السلام، وكيفية ولادته وبدأ بذكر آدم ونوح عليهما السلام تكميلاً للأمر لأنهما أبوان لجميع الأنبياء، ثم ذكر إبراهيم تدريجاً إلى ذكر عمران والد مريم أم عيسى عليه السلام، وقيل: إنّ عمران هنا هو والد موسى، وبينهما ألف وثمانمائة سنة، والأظهر أن المراد هنا والد مريم، لذكر قصتها بعد ذلك { وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ } يحتمل أن يريد بآل: القرابة، أو الأتباع، وعلى الوجهين؛ يدخل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في آل إبراهيم { ذُرِّيَّةً } بدل مما تقدم أو حال ووزنه فعلية منسوب إلى الذر أي النمل. لأن الله تعالى أخرج الخلق من صلب آدم كالذر، { إِذْ قَالَتِ } العامل فيه محذوف تقديره: اذكروا، وقيل: عليم، وقال الزجّاج: العامل فيه معنى الاصطفاء { ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ } اسمها حنة بالنون، وهي أم مريم، وعمران هذا هو والد مريم { نَذَرْتُ } أي: جعلت نذراً عليّ أن يكون هذا الولد في بطني حبساً على خدمة بيتك، وهو بيت المقدس { مُحَرَّراً } أي عتيقاً من كل شغل إلاّ خدمة المسجد { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا } الآية. كانوا لا يحررون الإناث للقيام بخدمة المساجد، فقالت: { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } تحسراً وتلهفاً على ما فاتها من النذر الذي نذرت { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } قرئ وضعت بإسكان التاء وهو من كلام الله تعظيماً لوضعها وقرئ بضم التاء وإسكان العين وهو على هذا من كلامهما { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } يحتمل أن يكون من كلام الله، فالمعنى ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لك، وأن يكون من كلامها فالمعنى: ليس الذكر كالأنثى في خدمة المساجد؛ لأن الذكور كانوا يخدمونها دون الأناث { سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } إنما قالت لربها سميتها مريم؛ لأن مريم في لغتهم بمعنى العابدة، فأرادت بذلك التقرب إلى الله، ويؤخذ من هذا تسمية المولود يوم ولادته، وامتنع مريم من الصرف للتعريف والتأنيث، وفيه أيضاً العجمة { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ } ورد في الحديث "ما من مولود إلاّ نخسة الشيطان يوم ولد فيستهل صارخاً إلاّ مريم وابنها" ، لقوله: { وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ }: الآية { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا } أي رضيها للمسجد مكان الذكر { بِقَبُولٍ حَسَنٍ } فيه وجهان: أحدهما: أن يكون مصدراً على غير المصدر، والآخر: أن يكون اسماً لما يقبل به كالسعوط اسم لما يسعط به { وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً } عبارة عن حسن النشأة { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أي ضمها إلى إنفاقه وحضانته، والكافل هو الحاضن، وكان زكريا زوج خالتها، وقرئ كفلها بتشديد الفاء، ونصب زكريا: أي جعله الله كافلها { ٱلْمِحْرَابَ } في اللغة: أشرف المجالس، وبذلك سمي موضع الإمام، ويقال: إنّ زكريا بنى لها غرفة في المسجد، وهي المحراب هنا، وقيل: المحراب موضع العبادة { وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً } كان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ويقال: إنها لم ترضع ثدياً قط، وكان الله يرزقها { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا } إشارة إلى مكان أي: كيف ومن أين؟ { إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ } يحتمل أن يكون من كلام مريم أو من كلام الله تعالى.