التفاسير

< >
عرض

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ
١٠١
-يوسف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ }؛ يعني مُلْكَ مصرَ أربعين فرسخاً في أربعين فرسخاً، { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ }؛ أي تعبيرِ الرُّؤيا وتأويل كُتب الدين.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }؛ نُصِبَ على النداءِ؛ أي يا فاطرَ السماءِ والأرض مُنشِئُهما على غيرِ مثالٍ، { أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ }؛ أي تتَولَّى حِفظِي وصيانتي، { تَوَفَّنِى مُسْلِماً }؛ أي ألطُفْ بي لُطفاً أثبتُ به على الإيمانِ إلى أن يلحَقُني الموت، { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }؛ يعني يلحقهُ بآبائه.
وأما ما كان من أمرِ زُليخا فإنه لما ماتَ العزيزُ وبَقِيت أرملةً، قالت: أنا مِن يوسف على رجاءٍ، وأمري كلَّ يوم إلى نقصٍ؛ وذلك بمَعصِيَتي لآلهِ يوسف، فكيف لا أقومُ إلى هذا الصَّنم المشؤومِ فأجعلهُ جُذاذاً، وألْحَقُ بيوسف وأُسلِمُ على يدهِ؟ لعلَّ إلَهَهُ يرحَمُني ويقضي حاجَتي، فقامت وكسرت صنَمَها وجاءت إلى طريق يوسف، فوقفت له في يومِ ركوبهِ فأقبلَ مع الأعلامِ والرايات مكتوبات عليها:
{ قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ أَدْعُو إِلَىٰ ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108].
فلمَّا صارَ يوسف بحذاءِ زُليخا نادت: سُبحان من يعلي العبيد ويجعلَهم مُلوكاً بطاعتهِ، ويذِلُّ الموالِي ويجعلهم عبيداً بمعصيتهِ. فسَمِعَ ذلك يوسف فقال: علَيَّ بصاحبةِ هذا الكلامِ، فأُتِيَ بها إليه فقال: مَن أنتِ؟ قالت: زُليخا أمَا تعرِفُنِي؟! قال: لا، قالت: قد أنكَرتَني؟ قال: أشدَّ الإنكار، قالت: أنا الذي راودتُكَ عن نفسك فاستعصمتَ بإلهِ السَّماء، فرفعَكَ ووضعَنِي؛ وأعزَّكَ وأذلَّني؛ وأغناكَ وأفقرَنِي، فعلمتُ أني في باطلٍ وغُرورٍ، فكسرتُ صنَمِي وجئتُكَ طائعةً مؤمنةً أقولُ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ، لِيَرْحَمَنِي، فوقعت رحمتُها في قلبهِ، فقالَ: سَلِي حاجتَكِ، قالت: أتفعلُ؟ قال: نعم، قالت: لي ثلاثُ حوائجَ يا يوسف قد ذهبَ بصَري فادعُ اللهَ أن يرُدَّ عليَّ لأنظُرَ إلى جمالِ وجهك، فدعا اللهَ فردَّ عليها بصرَها فأقبلت تنظرُ إلى يوسف، ثم قالت: وادعُ اللهَ أن يرُدَّ علي حُسني وجَمالي، فدعَا اللهَ فردَّه عليها ذلك.
فلما نظرَ يوسفُ إليها نكَّسَ رأسه وقال: أما تسأَلِي الثالثةَ يا رأسَ الفتنةِ؟ قالت: تتزوَّجُ بي حلالاً؟ قال لها: قُومِي يا رأسَ الفتنةِ هذه حاجةٌ ليس في نفسي قضاؤُها، قالت: أما أنا فلا أقنطُ من رحمةِ اللهِ، فنَزل جبريلُ على يوسف وقال: إن اللهَ يأمُركَ أن تتزوجَ بها، فجعلت تحمدُ اللهَ وتشكرهُ فتزوَّجَها، فلما دخلَ بها وجدَها عذراءَ، فولَدَت له وَلَدَين، وأقامَ يعقوبُ عند يوسف ثَماني عشرةَ سنةً، ومات قبل يوسف بسنتين.