التفاسير

< >
عرض

سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ
١
-الإسراء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ }؛ أي سُبحان الذي أسْرَى بعبدهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ واحدة من مَسجِدِ مكَّة إلى مسجدِ بيتِ المقدس.
وسُمِّي مسجدُ بيتِ المقدس المسجدَ الأقصى؛ لأنه لم يكن وراءَهُ مسجدٌ يُعْبَدُ اللهُ فيه. وقيل: لأنه أبعدُ المساجدِ التي تُزار، قالَ صلى الله عليه وسلم:
"أنَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحِجْرِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إذْ أتَانِي جِبْرِيلُ بالْبُرَاقِ..." وذكرَ حديث المعراجِ.
وقال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أُسْرِيَ بهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئ بنْتِ أبي طَالِبٍ أُخْتِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ). وعن الكلبي عن أبي صالحٍ عن أُمِّ هانئ أنَّها كانت تقولُ: (مَا أُسْرِيَ برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ وَهُوَ فِي بَيْتٍ)، قال مقاتلُ: (كَانَ الإسْرَاءُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بسَنَةٍ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } صفةُ بيتِ المقدسِ، بارَكَ الله فيما حولَهُ بالأشجار والأثمار والأنهار حتى لا يحتَاجُون إلى أنْ يُجلَبَ إليهم من موضعٍ آخر: وَقِيْلَ: يَعْنِي { بَارَكْنَا حَوْلَهُ }: جعلنَاهُ مَوضعاً للأنبياءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، وفيه مَهبطُ الملائكةِ، وفيه الوحيُ، وفيه الصَّخرةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ }؛ أي من عَجائب قُدرَتِنا، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ }؛ لمقالةِ قُريشٍ وإنكارِهم { ٱلبَصِيرُ }؛ بهم وبأعمالهم.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
"لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي وَأنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، جَاءَنِي جِبْرِيلُ عليه السلام وَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ قُمْ، فَقُمْتُ فَإذا جِبْرِيلُ مَعَهُ مِيكَائِيلُ، فَقَالَ لِي: تَوَضَّأْ، فَتَوَضَّأْتُ، ثُمَّ قَالَ لِي: انْطَلِقْ يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: إلَى أيْنَ؟ فَقَالَ: إلَى رَبكَ. فَأَخَذ بيَدِي وَأخْرَجَنِي مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإذا بالْبُرَاقِ دَابَّةٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، خَدُّهُ كَخَدِّ الإنْسَانِ، وَذنَبُهُ كَذنَبِ الْبَعِيرِ، وَأظْلاَفُهُ كَأَظْلاَفِ الْبَقَرِ، وَصَدْرُهُ كَأَنَّهُ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، وَظَهْرُهُ كَأَنَّهُ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ، عَلَيْهِ رَحْلٌ مِنْ رحَالِ الْجَنَّةِ، خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ. فَقَالَ لِي: ارْكَبْ، فَلَمَّا وَضَعْتُ يَدِي عَلَيْهِ شَمَسَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: مَهْلاً يَا بُرَاقُ؛ أمَا تَسْتَحِي! فَوَاللهِ مَا رَكِبَكَ نَبيٌّ أكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذا، هُوَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَارْتَعَشَ الْبُرَاقُ، وَتَصَبَّبَ عَرَقاً حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ خَفَضَ حَتَّى لَزَقَ بالأَرْضِ، فَرَكِبْتُهُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَى ظَهْرِهِ.
قَامَ جِبْرِيلُ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى يَخْطُو مَدَّ الْبَصَرِ، وَالْبُرَاقُ يَتْبَعُهُ لاَ يَفُوتُ أحَدُهُمَا الآخَرَ حَتَّى أتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَإذا بالْمَلاَئِكَةِ قَدْ نَزَلُوا مِنَ السَّمَاءِ يَتَلَقَّوْنِي بالْبشَارَةِ وَالْكَرَامَةِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَلَمَّا وَصَلْتُ بَابَ الْمَسْجِدِ أنْزَلَنِي جِبْرِيلُ، وَرَبَطَ الْبُرَاقَ بالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبطُ بهَا الأَنْبيَاءُ، وَكَانَ لِلبُراقِ خِطَامٌ مِنْ حَرِيرِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّيْتُ فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَلاَئِكَةُ خَلْفِي صُفُوفاً يُصَلُّونَ مَعِي.
ثُمَّ أخَذ جِبْرِيلُ بيَدِي، وَانْطَلَقَ بي إلَى الصَّخْرَةِ فَصَعَدَ بي عَلَيْهَا. وَإذا مِعْرَاجٌ أصْلُهُ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَأسُهُ مُلْتَصِقٌ بالسَّمَاءِ، إحْدَى عَارِضَيْهِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاء وَالأُخْرَى زُبُرْجُدَةٌ خَضْرَاءُ، وَدَرْجُهُ زُمُرُّدٌ مُكَلَّلٌ بالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، فَاحْتَمَلَنِي جِبْرِيلُ حَتَّى وَضَعَنِي عَلَى جَنَاحَيْهِ، ثُمَّ صَعَدَ بي ذلِكَ الْمِعْرَاجَ حَتَّى وَصَلَ بي إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
فَقَرَعَ الْبَابَ فَقِيلَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوْا: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم. فَفَتَحُواْ الْبَابَ فَدَخَلْنَا، فَقَالُواْ: مَرْحَباً وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذا؟ قَالَ: أبُوكَ آدَمُ، فَسَلَّمْتُ عَلِيْهِ فَقَالَ: مَرْحَباً بكَ، بالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَفَتَحُواْ لَنَا وَقَالُواْ: مَرْحَباً برَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ رَسُولُ اللهِ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذانِ؟ قَالَ: عِيسَى وَيَحْيَى ابْنَا الْخَالَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا، فَقَالاَ: مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا إلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقَالُواْ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ وَمَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَفَتَحُواْ وَقَالُواْ: مَرْحَباً بهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ عليه السلام فَقَالَ: مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ.
ثُمَّ أتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابعَةَ فَكَانَ مِنَ الاسْتِفْتَاحِ وَالْجَوَاب مِثْلَ مَا تَقَدَّمْ، فَوَجَدْتُ إدْريسَ فَقَالَ لِي: مَرْحَباً بالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبيِّ الصَّالِحِ. وَفِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ وَجَدْتُ هَارُونَ فَقَالَ لِي كَذلِكَ، وَفِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَجَدْتُ مُوسَى فَقَالَ لِي كَذلِكَ، وَفِي السَّمَاءِ السَّابعَةِ وَجَدْتُ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِي: مَرْحَباً بالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ رُفِعْتُ إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإنَّ نَبقَهَا مِثْلَ قِلاَلِ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَذانِ الْفِيَلَةِ، وَرَأيِْتُ أرْبَعَةَ أنْهَارٍ تَجْرِي مِنْ أصْلِهَا، فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الأَنْهَارِ؟ فَقَالَ: النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فِي الْجَنَّةِ، وأمَّا النَّهْرَانِ الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَفِيهَا مَلاَئِكَةٌ لاَ يَعْلَمُ عَدَدَهُمْ إلاَّ اللهُ، وَمَقَامُ جِبْرِيلَ فِي وَسَطِهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَيْهَا فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ: تَقَدَّمْ، فَقُلْتُ: تَقَدَّمْ أنْتَ يَا جِبْرِيلُ! فَقَالَ: بَلْ تَقَدَّمْ أنْتَ يَا مُحَمَّدُ؛ فَأَنْتَ أكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنِّي.
قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ وَجِبْرِيلُ عَلَى إثْرِي حَتَّى انْتِهَائِي إلَى حِجَابٍ مِنْ ذهَبٍ، فَحَرَّكَهُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ وَمَعِي مُحَمَّدٌ، فَأَخْرَجَ الْمَلَكُ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْحِجَاب، فَاحْتَمَلَنِي وَتَخَلَّفَ جِبْرِيلُ، فَقُلْتُ: إلَى أيْنَ؟ فَقَالَ: وَمَا مِنَّا إلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ، وَإنَّمَا أُذِنَ لِي فِي الدُّنُوِّ مِنَ الْحِجَاب لإكْرَامِكَ وَإجْلاَلِكَ. فَانْطَلَقَ بي الْمَلَكُ فِي أسْرَعِ مِنْ طُرْفَةِ عَيْنٍ إلَى حِجَابٍ آخَرَ، فَحَرَّكَهُ فَقَالَ الْمَلَكُ: مَنْ هَذا؟ فَقَالَ: هَذا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي، فَأخْرَجَ يَدَهُ مِنَ الْحِجَاب، فَاحْتَمَلَنِي حَتَّى وَسِعَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَلَمْ أزَلْ كَذلِكَ مِنْ حِجَابٍ إلَى حِجَابٍ حَتَّى سَبْعِينَ حِجَاباً، غِلْظُ كُلِّ حِجَابٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَمَا بَيْنَ الْحِجَاب إلَى الْحِجَاب خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، ثُمَّ احْتُمْلِتُ إلَى الْعَرْشِ"
. فانتهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى حيثُ شاءَ اللهُ، ورأى من العجائب والقدرة ما شاءَ اللهُ.
قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"أُمِرْتُ بخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى أتَيْتُ مُوسَى، فَسَأَلَنِي: بمَ أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: بخَمْسِينَ صَلاَةً، فَقَالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذلِكَ، فَارْجِعْ إلَى رَبكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَقَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى رَبي فَحَطَّ عَنِّي خَمْساً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى أتَيْتُ مُوسَى فَذكَرْتُ لَهُ ذلِكَ، فَقَالَ لِي: ارْجِعْ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَحَطَّ عَنِّي خَمْساً أُخْرَى، فَلَم أزَلْ كَذلِكَ يَقُولُ لِي مُوسَى: ارْجِعْ وَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، وَأنَا أرْجِعُ حَتَّى بَقِيَتْ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، فَقَالَ لِي مُوسَى: اسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقُلْتُ لَهُ: لَقَدْ رَجَعْتُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبي، فَنُودِيتُ: أنْ قَدْ أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَلَى عِبَادِي وَجَعَلْتُ كُلَّ حَسَنَةٍ بعَشْرِ أمْثَالِهَا" .
قال ابنُ عبَّاس: "(فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ اللَّيْلِ إلَى مَكَّةَ وَأخْبَرَ قُرَيْشاً كَذبُوهُ، ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنْ صِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا كَانَ عَنْ يَمِينِهِ حِينَ دَخَلَ، وَمَا كَانَ عَنْ يَسَارهِ حِينَ خَرَجَ، وَمَا اسْتَقْبَلَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بصِفَاتِهَا كُلِّهَا، وَقَالَ: مَرَرْتُ عَلَى عِير بَنِي فُلاَنٍ، وَهِيَ بالرَّوْحَاءِ وَقَدْ أضَلُّوا بَعِيراً لَهُمْ وَهُمْ فِي طَلَبهِ قَالُواْ: فَأَخْبرْنَا عَنْ عِيرنَا نَحْنُ، قَالَ: مَرَرْتُ بهَا بالتَّنْعِيمِ، قَالُواْ: فَمَا عِدَّتُهَا وَأحْمَالُهَا وَهَيْئَتُهَا؟ قَالَ: كَذا وَكَذا، وَفِيهَا فُلاَنٌ، وَتَقَدَّمَهَا جَمَلٌ أوْرَقُ عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ مَخِيطَاَنِ، تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
قال: فَخَرَجُواْ يَشْتَدُّونَ نَحْوَ التَّثْنِيَةِ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَقَدْ وَصَفَ مُحَمَّدٌ شَيْئاً فَسَنُكَذِّبُهُ، فَلَمَّا أتَّوا كِدَاءً جَلَسُوا عَلَيْهَا، فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ مَتَى تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَيُكَذِّبُوهُ، إذْ قَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: هَذِهِ وَاللهِ الشَّمْسُ قَدْ طَلَعَتْ، وَقَالَ آخَرُ: وَهَذِهِ الْعِيرُ قَدْ طَلَعَتْ يَقْدِمُهَا بَعِيرٌ أوْرَقُ، فِيهَا فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ كَمَا قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُؤْمِنُواْ وَلَمْ يُفْلِحُواْ)"
.
وَسَعَى نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إلَى أبي بَكْرٍ وَقَالُواْ: هَذا صَاحِبُكَ يَزْعُمُ أنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بهِ اللَّيْلَةَ إلَى الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَجَعَ قَبْلَ الصُّبْحِ، قَالَ: (فَكَيْفَ لاَ أُصَدِّقُهُ عَلَى ذلِكَ؟!) قَالُواْ: أتُصَدِّقُهُ أنَّهُ ذهَبَ إلَى الشَّامِ؟ فَقَالَ: (إنْ كَانَ قَالَ ذلِكَ فَقَدْ صَدَقَ) قَالُواْ: أتُصَدِّقُهُ أنَّهُ ذهَبَ إلَى الشَّامِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ الصُّبْحِ؟ قَالَ: (فَكَيْفَ لاَ أُصَدِّقُهُ عَلَى ذلِكَ) فَسُمِّيَ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ. وأما المشرِكُون فقالوا: ما سَمعنا بهذا قطّ، إنْ هذا إلا سحرٌ مبين.
فإنْ قِيْلَ إنما قالَ اللهُ { أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا } فلِمَ قُلتم أسرى به إلى السَّماء؟ قُلنا: الأخبارُ في ذلك متواترةٌ ظاهرة، وما ذكَرَهُ في سورةِ النجم دليلٌ على صحَّة ذلك.