التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً
٢١
-الكهف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ }؛ أي أطْلَعْنَا عليهم، وذلك أنَّهم لَمَّا بَعَثُوا بورقِهم على يدِ يَمليخا ومضَى إلى السُّوق، فإذا ملكُهم مسلمٌ قد أظهرَ علامات الإسلامِ فتعجَّبَ من تغيُّرِ الأمرِ، وقال لخبَّازٍ: بعني من طعامِكَ بهذا الوَرِقِ، فلما رأى الخبازُ دراهمَه أنكرَها وقال: مِن أينَ لك هذه وقد ضُربت منذ ثلاثِمائة سنةٍ؟ فإما أن تعطيَني من هذا الكَنْزِ، أو أرفعُكَ إلى الْمَلِكِ؟ فأنتَ وجدْتَ كَنْزاً.
فحملَهُ إلى الملكِ فلم يجِدْ بُداً من أن يذكرَ للملكِ قصَّتَهم، فجاءَ الناسُ معهُ إلى باب الكهف، فدخل هُوَ قَبْلَهم، وأخبَرَ أصحابَهُ بأنَّ الملِكَ أتاهُم إذ ظهرَ القومُ عليهم فسألوهُ عن أمرِهم، فقَصُّوا عليهم قصَّتَهم، فَنَظَرُوا فإذا اللوحُ الرَّصاصُ وفيه أسماؤُهم وفرارُهم من دقيانوسِ.
فقالَ الملكُ: هؤلاء قومٌ هلَكُوا في زمانِ الكافرِ، فأحياهُم اللهُ في زمانِي، وحَسَبُوا المدَّةَ، فوجدُوها ثلاثَمائة سنةٍ وتسعَ سنين، فبينا هم كذلكَ يحدِّثونَهم إذ دخلُوا المكانَ، وقد ضربَ اللهُ على آذانِهم بالنَّومِ، هكذا رويَ عنِ ابن عبَّاس.
وذهبَ عكرمةُ إلى أنَّ القومَ دخلُوا المكانَ وقد ضربَ اللهُ على آذانِهم، فهذا معنى قولهِ { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } وقولهِ تعالَى: { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } أي ليعلَمَ الملكُ وقومه وغيرُهم أن البعثَ بعد الموتِ كائنٌ، { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ }؛ القيامة، { لاَ رَيْبَ فِيهَا }؛ لا شك فيها.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ }؛ قِيْلَ: كان التنازعُ في أنْ قالَ بعضُهم لبعضٍ إنَّهم قد ماتوا في الكهفِ، وقال بعضُهم: بل ناموا كما نامُوا مِن قبلُ، وسيوقظُهم اللهُ من بعد.
وَقِيْلَ: كانوا يتنازعون في البنَاءِ كما قالَ تعالَى: { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً }؛ أي قال بعضُهم: نَبْنِي عليهم بُنياناً كما تُبْنَى المقابرُ؛ كي يستُرُوهم عن الناسِ، وقال بعضُهم: بل نَبْنِي في هذا الموضعِ مَسْجِداً يُعْبَدُ اللهُ فيه، وهو قولُ الذين غَلَبُوا على أمرِهم وهم رؤساؤُهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }؛ أي أعْلَمُ بلَبْثِهِمْ ورُقادِهم وأحوالِهم؛ لأنَّ قومَ الملكِ تنازَعُوا في قدر مَكْثِهم في الكهفِ، وفي عددهم وفي ما يفعلونَ بعدَ ذلك.