التفاسير

< >
عرض

وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٢٠
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ }؛ وذلك أنَّهم كانوا يسألونَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم الهدنةَ ويطمِّعونه في أن يتَّبعوه إنْ هادنَهم، فأنزلَ اللهُ هذه الآية. وقيل: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصاً على طلب رضَاهُمْ طمعاً في أنْ يرجِعوا إلى الحقِّ. وَقِيْلَ: كانوا يطلُبون من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم الْمُسَالَمَةَ ويطمِّعونه في أنَّهُ إنْ هادنَهم أسلَمُوا؛ فأمرَ اللهُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أن لا يطيعَهم ما طلبوا مِن الهدنةِ، وأخبرَ أنَّهم لا يرضون عنهُ بذلك، وهم يهودُ أهل المدينة ونصارى نَجْرَانَ.
قال ابنُ عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ((هَذَا فِي الْقِبْلَةِ؛ وَذَلِكَ أنَّ يَهُودَ الْمَدِيْنَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُواْ يَرْجُونَ أنْ يُصَلِّيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى قِبْلَتِهِمْ؛ فَلَمَّا صَرَفَ اللهُ تَعَالَى الْقِبْلَةَ إِلَى الْكَعْبَةِ؛ شُقَّ عَلَيْهِمْ وَآيَسُواْ مِنْهُ أنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِيْنِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } أي دِينَهم، وقِبلتهم بيتُ المقدسِ)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ }؛ أي الصراطَ الذي دعا الله إليه؛ وهو الذي أنتَ عليه هو صراطُ الحقِّ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُمْ }؛ أي إنِ اتبعتَ ملَّتهم وصلَّيتَ إلى قِبلتهم، { بَعْدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ }؛ أي بعدما ظهرَ لك أنَّ دينَ الله الإسلامُ؛ وأنَّ القبلةَ قد حُوِّلت إلى الكعبةِ، { مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }؛ أي مَا لكَ من اللهِ من ولِيٍّ ينفعُكَ ويحفظُكَ عن عقابهِ، ولا نصيرَ يدفعُ مضرَّة عقابهِ عنكَ. وهذا خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم والمرادُ به عامَّةُ الناسِ؛ مِثْلُ قَولهِ
{ { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [الزمر: 65]. وقد عَلِمَ اللهُ أنه لا يشرِكُ؛ وهذا كما يقال في المثلِ: (إيَّاكِ أعْنِي فَاسْمَعِي يَا جَارَةُ).