التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ
١٥٩
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلْهُدَىٰ }؛ هم علماءُ اليهود الذين كتموا أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصفتَه في التوراة، وكتموا أمرَ القِبلة والأحكامِ والحلالِ والحرامِ؛ { مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ }؛ أي من بعد ما أوضحناهُ للناس في التوراة والإنجيلِ؛ وأراد بالناسِ بني إسرائيل. قَوْلُهُ تَعَالَى: { أُولَـٰئِكَ يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ }؛ أي يُبعدهم اللهُ من رحمتهِ. وأصلُ اللَّعْنِ في اللغة: هُوَ الطَّرْدُ، { وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ }.
اختلفَ المفسرونَ في هؤلاءِ اللاعنين؛ فقال قتادةُ: (هُمُ الْمَلاَئِكَةُ). وقال عطاءُ: (الْجِنُّ وَالإِنْسُ). وقالَ الحسنُ: (عِبَادُ اللهِ أجْمَعُونَ). وقالَ ابنُ عباسٍ: (كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِنَّ وَالإنْسَ). وقال مجاهدٌ: (اللاَّعِنُونَ: الْبَهَائِمُ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إذا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ وَأمْسَكَتِ الْقَطْرَ، وَيَقُولُونَ: هَذَا لِشُؤْمِ بَنِي آدَمَ). وقال عكرمةُ: (دَوَابُّ الأَرْضِ وَهَوَامُهَا حَتَّى الْخَنَافِسَ وَالْعَقَاربَ، فَيَقُولُونَ: مُنِعْنَا الْقَطْرَ لِمَعَاصِي بَنِي آدَمَ).
وإنَّما قالَ لِهذه الأشياء اللاعنونَ ولم يقل اللاعناتُ؛ لأن مِن شأن العرب إذا وصفت شيئاً من البهائم والجمادات بما هو صفةٌ للناس من قولٍ أو فعل أنْ يخرجوهُ على مذهب بني آدم وجمعهم كقوله تعالى حاكياً عن يوسف عليه السلام:
{ { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } [يوسف: 4] ولم يقل ساجدات وأشباه ذلك. وفي الآيةِ دلالةٌ على وجوب إظهار علوم الدين وزجرٍ عن كتمانِها؛ لأن العبرةَ بعموم اللفظ لا السبب المخصوص.