قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً }؛ وهم المشركون. والأندادُ: هم الأصنام المعبودة من دون اللهِ، قاله أكثرُ المفسرين، وقال السديُّ: (يَعْنِي سَادَتَهُمْ وَقَادَتَهُمْ الَّذِيْنَ كَانُواْ يُطِيْعُونَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ }؛ أي كحُب المؤمنين اللهَ تعالى يقال: بعتُ غلامي كبيعِ غلامِكَ؛ أي كبيعكَ غلامك. وأنشد الفرَّاء:
أبَيْتُ وَلَسْتُ مُسَلِّماً مَا دُمْتُ حَيَّاً عَلَى زَيْدٍ كَتَسْلِيْمِ الأَمِيْرِ
أي كتسليمي على الأميرِ، وهذا قولُ أكثر العلماء. وقال الزجَّاج: (تَقْدِيْرُ الآيَةِ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُب اللهِ؛ يَعْنِي يُسَؤُونَ بَيْنَ هَذِهِ الأَصْنَامِ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى فِي الْمَحَبَّةِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ }؛ أي يخلصون في محبة الله لا يشركون به غيره؛ وهم يشركون معه معبوداتِهم. وقيل: إنَّ المؤمنين يعبدون اللهَ في كلِّ حال؛ والكفار يعبدون الأوثان في الرخَاء فإذا أصابتهم شدةٌ تركوا عبادتَها. وقال ابنُ عباسٍ: (مَعْنَاهُ أثْبَتُ وَأدْوَمُ، وَذلِكَ أنَّ الْمُشْرِكيْنَ كَانُواْ يَعْبُدُونَ صَنَماً فَإذا رَأواْ شَيْئاً أحْسَنَ مِنْهُ تَرَكُوهُ وَأَقْبَلُواْ عَلَى عِبَادَةِ الأَحْسَنِ). وقال قتادةُ: (إنَّ الْكَافِرَ يُعْرِضُ عَنْ مَعْبُودِهِ فِي وَقْتِ الْبَلاَءِ وَيُقْبلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: { { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } [العنكبوت: 65] وَالْمُؤْمِنُ لاَ يُعْرِضُ عَنِ اللهِ تَعَالَى فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ). وقيل: لأنَّ الكفار يَرَوْنَ معبودَهم مصنوعَهم؛ والمؤمنون يرونَ الله تعالى صانِعَهم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ }. قرأ أبو رجاءٍ والحسنُ وشيبةُ ونافع وقتادة ويعقوبُ وأيوب: (وَلَوْ تَرَى) بالتاء على أنه خطابٌ للنبي صلى الله عليه وسلم. والجواب محذوف تقديره: ولو ترى يا محمد { ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أي أشركوا { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } لرأيتَ أمراً عظيماً؛ ولعلمتَ ما يصيرون إليه، أو تعجبتَ منه. وقرأ الباقون بالياء؛ فمعناه: { وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } أنفسهم عند رؤية العذاب لعلموا، { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً }؛ أو لآمنوا أو لعلموا مضَرَّة الكفر. نظيره هذه الآية في المحذوف: { { وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ } [الرعد: 31] أي لكان هذا القرآن.
وقولهُ تعالى: { إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } قرأ ابنُ عامر: (إذ يُرَوْنَ الْعَذَابَ) بضم الياء على التعدي. وقرأ الباقون بفتحه على اللُّزوم. وقيلَ: معنى الآية: ولو يرى عبدةُ الأوثان اليوم ما يرونَ حين رؤية شدة عذاب الله وقوته لتركوا عبادةَ الأوثان ومحبتها. وهذا التأويلُ على قراءة الياء. وقوله: { أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } أي لأن القوة لله جميعاً؛ { وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ }؛ للرؤساء والأتباع من عبدة الأوثان.
وقرأ الحسنُ وقتادة وشيبة وسلام ويعقوب: (إنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَإنَّ اللهَ) بالكسر فيهما على الاستئناف. والكلام تامٌّ عند قوله: { يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ } مع إضمار الجواب؛ كما ذكرنا. وقرأ الباقون بفتحها على معنى بأنَّ القوةَ لله جميعاً معطوفٌ على ما قبل. وقيلَ: على معنى لرأوا أنَّ القوةَ لله جميعاً، أو لأَيْقَنُوا.