التفاسير

< >
عرض

وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
٢٣٥
-البقرة

التفسير الكبير

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ }؛ الآيةُ، قال ابنُ عباس: (التَّعْرِيْضُ: هُوَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمُعْتَدَّةِ: إنِّي أُريْدُ النِّكَاحَ وَأُحِبُّ الْمَرْأةَ مَنْ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا؛ فَيَصِفُهَا بالصِّفَةِ الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا حَتَّى تَعْلَمَ رَغْبَتَهُ فِيْهَا). وقيل: هو أن يقولَ لَها: إنكِ لتعجبينني وأرجُو أن يجمعَ الله بيني وبينكِ، أو يقول: يا ليتَ لي مثلكِ وإن قضَى اللهُ أمراً كانَ.
ومعنى الآية: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ } اللواتي هُنَّ في عدَّة موتٍ أو طلاقٍ بائن أو ثلاثٍ، قوله عَزَّ وَجَلَّ: { أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ } معناهُ: أو أضمرتُم في قلوبكم العزمَ على النكاحِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً }؛ أي { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ } في العدَّة لرغبَتكم فيهنَّ وخوفكم لسبقَ غيرِكم إليهنَّ، { وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً } أي لا يواعدُها الخاطِب في السرِّ ولا يواثقُها؛ أي أن لا يتزوجَ غيرها. وقيل: لا يواعدُها في السرِّ تصريحاً. وقيلَ: المرادُ بالسرِّ الجمِاعُ؛ لأنه لا يكون إلا في السرِّ، كأنه يقولُ: لا يُتعِبُ الخاطبُ نفسَه لها لرغبتها في نفسه.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: { إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً }؛ أي إلا أن يعرِّضوا بالخطبة كنايةً من غير إفصاح. قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ }؛ أي لا تعزموا على عقدِ النكاحِ، حذفَ (على) للتخفيف كما يقالُ: ضربتُ فلاناً ظهرَه وبطنَه؛ أي على ظهرهِ وعلى بطنهِ. ومعنى: { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ } أي حتى يبلُغَ فرضُ المطلقات أجلَهُ؛ أي حتى تنقضي العدةُ؛ فإن العدَّةَ فرضُ القرآن.
قَولُهُ تَعَالَى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ }؛ أي يعلمُ ما في قلوبكم من الوفاءِ وغير ذلك فاحذروا أن تخالفوه فيما أمركم ونَهاكم. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }؛ أي { غَفُورٌ } لمخالفتكم إن تُبْتُمْ، { حَلِيمٌ } حين لم يعجِّل عليكم بالعقوبةَ.
والتَّعْرِيْضُ في اللغة: هو الإيْمَاءُ والتَّلْوِيْحُ والدَّلاَلَةُ على الشيءِ من غيرِ كشفٍ ولا تبيينٍ، نحوُ أنْ يقولَ الرجلُ لغيره: مَا أقبحَ البخلَ! يعرِّضه لذلكَ، والخِطْبةُ بكسر الخاء: هي الكلامُ الذي يستدعي به إلى النكاحِ. والخُطبةُ بالضم: هو الكلامُ المؤلَّفُ إما بموعظةٍ أو دُعاء إلى شيءٍ.
والكنايةُ: هي الدلالةُ على الشيءِ مع العدول عن الاسمِ عن الاسمِ الأخصِّ إلى لفظٍ آخر يدلُّ عليه، نحو أن يُكَنِّي عن زيدٍ فيقولُ لغيره: ما أبْخَلَ صديقكَ، وما أبخلَ الذي كُنا عنده. والإكنانُ: هو السَّتْرُ، يقال في كل شيء سَتَرْتَهُ أكْنَنْتُهُ؛ وفيما يصونهُ كنيةً. قال الله تعالى:
{ { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } [الصافات: 49] أي مَصُونٌ.