التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
٢٨٣
-البقرة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ } الآيةُ، معناه: إذا كنتم مسافرين { وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً } يكتبُ الوثيقة بالحقِّ، (فَـ) الوثيقةُ (رهَانٌ) يقبضُها الذي له الحقُّ.
قرأ ابنُ عباس وأبو العالية ومجاهدُ: (كِتَاباً) يعني الصحيفةَ والدَّواةَ؛ قالوا: لأنه ربَّما يجدُ الكاتبَ ولا يجد المرادَ والصحيفةَ والدواةَ. وقرأ الضحَّاك: (كُتَّاباً) على جمعِ الكاتب. وقرأ الباقون: (كَاتِباً) وهو المختارُ لموافقة الْمُصْحَفِ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ } قرأ ابنُ عباس ومجاهدُ وابن كثير وأبو عمرٍو: (فَرُهُنٌ). وقرأ عكرمةُ وعبدالوارث: (فَرَهْنُ) بإسكانِ الهاء. وقرأ الباقون: (فَرِهَانٌ) وهو جمعُ رهنٍ مثل نَعْلِ ونِعَالٍ؛ وجَبَلٍ وجِبَالٍ. والرُّهُنُ: جمعُ رهان وهو جمع الجَمعِ، قاله الفرَّاءُ والكسائي. وقال أبو عبيدٍ: (هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ، مِثْلُ سَقْفٍ وسُفُفٍ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ }؛ أي إنْ كان الذي عليه الحقُّ أميناً عند صاحب الحق فلم يرتَهن منه شيئاً لِثِقَتِهِ وحُسن ظنِّه؛ { فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } أي فليؤدِّ المطلوبُ أمانتَه بأن لا يبخَسَ ولا يجحدَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ }؛ أي لا تكتُمُوها عند الحكَّام ولا تَمتنعوا عن أدائِها، { وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ }؛ أي فاجرٌ سَرِيْرَتُهُ، وأضافَ الإثْمَ إلى القلب وإن كان الآثِمُ هو الكاتِم؛ لأن اكتسابَ الإثم بكتمانِ الشهادة يقعُ بالقلب؛ وهذا أبلغُ في الوعيدِ وأحسنُ في البيانِ؛ لأن كاتِم الشهادة يلحقهُ الإثم من وجهين؛ أحدُهما: العزمُ على أن لا يؤدِّي. والثاني: تركُ أدائها باللسانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }؛ أي عليمٌ بما تعملون به من كتمانِ الشهادةِ وإقامتها؛ وأداءِ الأمانة والخيانةِ فيها؛ عالِمٌ لا يخفَى عليه شيء مِمَّا تفعلونَ.
ولا خلافَ بين العلماء في جواز الرهن في الْحَضَرِ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم
"اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَاماً إلَى أجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ" . والفائدةُ في ذكرِ السفرِ في الآية: أن الأغلبَ من حالِ السفر عدمُ الشهود والكُتَّاب؛ فخُصَّ الرهنُ بحال السفرِ. وعن مجاهد: (أنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الرَّهْنَ فِي الْحَضَرِ).