التفاسير

< >
عرض

وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٥٧
-البقرة

التفسير الكبير

قَولُهُ تَعَالَى: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ }؛ أي في التيه يقيكم حرَّ الشمس؛ وذلك أنَّهم كانوا في التَيه ولم يكن لهم كِنٌّ يسترُهم؛ فشكوا ذلك إلى موسى؛ فأنزل الله عليهم غماماً أبيض؛ أي سحاباً رقيقاً ليس بغمام المطر؛ لكن أرقَّ وأطيب منه؛ فأظلهم وكان يدلي لهم بالليل عموداً من السماء من نور فيسير معهم بالليل حيث ساروا مكان القمر. فقالوا: هذا الظل قد حصل فأين الطعام؛ فأنزل الله عليهم المنَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ }، الْمَنُّ؛ قال مجاهد: (هُوَ شَيْءٌ كَالصَّمْغِ كَانَ يَقَعُ عَلَى الأَشْجَار؛ وَطَعْمُهُ كَالشَّهْدِ). وقال الضحَّاك: (هُوَ الزَّنْجَبيْنُ). وقال وهبُ: (هُوَ الْخُبْزُ الرِّقَاقُ). وقال السديُّ: (عَسَلٌ كَانَ يَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ باللَّيْلِ. وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْمَنُّ كُلَّ لَيْلَةٍ؛ يَقَعُ عَلَى أشْجَارهِمْ مِثْلُ الثَّلْجِ؛ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعٌ كُلَّ لَيْلَةٍ؛ فَإِنْ أخَذَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ دَوَّدَ وَفَسَدَ. وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ صَاعَيْنِ كَأَنَّهُ كَانَ لَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمَ السَّبْتِ).
وَقِيْلَ: هو شيء حلوٌ؛ كان يَسقطُ على الشجر كالشهد المعجونِ بالسَّمن، وكان يأخذ كل واحد منهم كل غداةٍ صاعاً يكفيه يومه وليلته، فإن أخذَ أكثر من ذلك فَسَدَ عليه.
فقالوا: يا موسَى! قَتَلَنَا هذا الْمَنُّ بحلاوتهِ، فادعوا لنا ربك يطعمنا لَحماً، فدعا فأنزلَ عليهم السَّلْوَى: وَهُوَ طَائِرٌ يُشبْهُ السَّمَانِيَّ؛ كذا قالَ ابنُ عباس. وأكثرُ المفسرين بعثَ اللهُ سحابةً مطرت السمانِيَّ في عرضِ ميل وقدر طولِ رُمح في السماء بعضهم على بعض. وقال المؤرِّجُ: (السَّلوَى هُوَ الْعَسَلُ بِلُغَةِ كِنَانَةَ؛ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيْهِ يَوْماً وَلَيْلَةً، وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ يَأْخُذُ مَا يَكْفِيْهِ يَوْمَيْنِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ }؛ أي وقلنا لهم: كُلُوا من حلائلِ ما رزقناكم ولا تدَّخروا لغدٍ؛ فادَّخروا لغدٍ، فقطعَ الله عنهم ذلك، ودوَّدَ وفسدَ ما ادَّخروا. قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
"لَوْلاَ بَنُو إسْرَائِيْلَ لَمْ يَخْبَثِ الطَّعَامُ، وَلَمْ يَخْنِزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا" .
قوله تعالى: { وَمَا ظَلَمُونَا }؛ أي ما ضرُّونا بالمعصية، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }؛ أي يضرُّون باستيجابهم عذابي وقطعِ مادة الرزق الذي كان ينْزل عليهم بلا كلفةٍ ولا مشقَّةٍ في الدنيا ولا حسابٍ ولا تبعة في العقبى وهذا كله في التيهِ.