التفاسير

< >
عرض

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
٣٦
رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ
٣٧
لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
٣٨
-النور

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ }؛ يعني ذلك المصباحَ في بُيُوتٍ، قِيْلَ: معناهُ: تُوقَدُ في بيوتٍ وهي المساجدُ، أذِنَ اللهُ في رفعِها؛ أي رَفْعِ بنائها كما قال تعالى { { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ } [البقرة: 127]، ويستدلُّ مِن هذه الآيةِ أن لا يؤذنَ في رفعِ شيء من الأبنية فوقَ الحاجة غيرَ المساجد التي يُصَلِّي فيها المؤمنونَ، ويستضيءُ بنور قناديلها العابدونَ. وقال الحسنُ: (مَعْنَى قَوْلِهِ { أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } أيْ تُعَظَّمَ وَتُصَانَ عَنِ الأَنْجَاسِ وَاللَّغْوِ مِنَ الأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَعَنِ التَّكَلُّمِ بالْخَنَا).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ }؛ وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"جَنِّبُواْ مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِيْنَكُمْ؛ وَبَيْعَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ؛ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإقَامَةَ حُدُودِكُمْ؛ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ، وَاجْعَلُواْ عَلَى أبْوَابهَا الْمَطَاهِرَ" . قال ابنُ عبَّاس: (الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ، وَهِيَ تُضِيْءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيْءُ النُّجُومُ لأَهْلِ الأَرْضِ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } أي ويُذْكَرُ في المساجدِ اسمُ الله تعالى وتوحيدهُ.
وقولهُ تعالى: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا }؛ أي يُصَلِّي للهِ تعالى في تلك البيوتِ الصلاةَ المفروضةَ، { بِٱلْغُدُوِّ }؛ أي صلاة الغداة، وقولهُ تعالى { وَٱلآصَالِ }، يعني العَشِيَّاتِ، والأصِيلُ ما بين العصرِ إلى الليلِ، وسُميت الصلاةُ تَسبيحاً لاختصاصها بالتسبيحِ. وقرأ ابنُ عامر: (يُسَبَّحُ) بفتحِ الباء على ما لَم يسمَّ فاعلهُ.
ثُم فسَّرَ مَن يُصلي فقال: { رِجَالٌ }؛ كأنه قالَ: مَن يُسَبِّحُ؟ فقيلَ: رجَالٌ { لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ }؛ أي لا تشغَلُهم تجارةٌ، ولا بَيْعٌ عن طاعةِ الله، وعن إقامةِ الصَّلاة في البيوتِ، وعن إعطاءِ الزكاة.
قال الفرَّاءُ: (التِّجَارَةُ لأَهْلِ الْجَلْب، وَالْبَيْعُ مَا بَاعَهُ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ) وَخَصَّ قَوْمٌ التِّجَارَةَ هُنَا بالشِّرَاءِ لِذِكْرِ الْمَبيْعِ بَعْدَهَا. والمعنى: لا يَمنعُهم ذلك عن حضور المساجد لإقامةِ الصلاة وإتْمَامِها، وإذا حضرَ وقتُ الزكاةِ لَم يحبسُوها عن وقتِها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ }؛ أي يفعلون ذلك خَوْفاً من يومٍ تَرْجِفُ فيه القلوبُ، وتدورُ حُدَقُ العيونِ حالاً بعد حالٍ من الفَزَعِ والخوفِ رجاءَ أن { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ }؛ فِي دارِ الدُّنيا، { وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ }؛ بغيرِ استحقاقٍ، { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }؛ أي بغيرِ حَصْرٍ ولا نِهايةٍ.