التفاسير

< >
عرض

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
١١٠
-آل عمران

التفسير الكبير

قوله عزَّ وَجَلَّ: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ }؛ خطابٌ لأصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهوَ يَعُمُّ سَائِرَ أمَّتِهِ. قال الحسنُ: (نَحْنُ آخِرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ). وقيل معنى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ } أي كنتم في اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وقيل: كنتم مُذْ كُنْتُمْ، وقيلَ: الكافُ زائدةٌ؛ أي أنْتُمْ خَيْرُ أمَّةٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ } أي بالتَّوحيدِ واتِّباعِ الشَّريعةِ، { وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } أي عن الشِّرْكِ والظُّلمِ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } أي تُوَحِّدُونَ اللهَ تعالى بالإيْمان باللهِ وتصديقِ رُسُلِهِ وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ مَن كَفَرَ بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوَحِّدِ اللهَ تعالى، ودليلُ هذا التأويلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }؛ أي لو صَدَقَ اليهودُ والنصارى مع إيْمانِهم بالله تعالى إيْمَانَهم بنَبيِّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِن الإقامةِ على دِينهم.
وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:
"أنْتُمْ تُتِمُّونَ عَلَى سَبْعِيْنَ أمَّةٍ؛ أنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" . وقال صلى الله عليه وسلم: "أهْلُ الْجَنَّةِ عُشْرُونَ ومِائَةُ صَفٍّ، ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ" . وقالَ صلى الله عليه وسلم: [إنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتِي] . وقال صلى الله عليه وسلم: "أُمَّتِي أمَّةٌ مَرْحُومَةٌ؛ إذا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُعطِيَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ؛ فَيُقَالُ لَهُ: هَذا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ"
]. وقيل لعيسَى عليه السلام: يَا رُوحَ اللهِ؛ هَلْ بَعْدَ هَذِهِ الأُمَّةِ أُمَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ أُمَّةُ أحْمَدَ صلى الله عليه وسلم عُلَمَاءُ حُكَمَاءُ حُلَمَاءُ؛ أبْرَار أتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمْ مِنَ الْعِفَّةِ أنْبيَاءُ؛ يَرْضَوْنَ مِنَ اللهِ بالْيَسِيْرِ مِنَ الرِّزْقِ؛ وَيَرْضَى اللهُ تَعَالَى مِنْهُمْ بالْيَسِيْرِ مِنَ الْعَمَلِ؛ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِشَهَادَةِ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ.
قولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ }؛ يعني أهلَ الكتاب منهمُ المؤمنونَ عَبْدُاللهِ بْنُ سَلاَمَ وأَصحابُه، وسائرُ من أسلمَ مِن أهلِ الكتاب. { وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }؛ أي الكافرونَ الخارجونَ عن أمرِ الله، وهم الذين لَمْ يُسْلِمُواْ منهُم.