التفاسير

< >
عرض

لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٨٨
-آل عمران

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ }؛ قرأ اهلُ الكوفةِ: (يَحْسَبَنَّ) بالياءِ، وقرأ غيرُهم بالتَّاء، فمن قرأ بالياء فمعناهُ: لا يَحْسَبَنَّ الْفَارحُونَ فَرَحَهُمْ مُنْجِياً لَهم من العذاب، ومن قرأ بالتاءِ فالخطابُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقوله: { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ } إعادةُ توكيدٍ. قرأ الضحَّاك بالتاءِ وضمِّ الباء أرادَ مُحَمَّداً وأصحابَه. وقرأ مجاهدُ وابن كثير وأبو عمر بالياءِ وضمِّ الباءِ خبراً عن الْفَارحِيْنَ؛ أي لا يَحْسَبَنَّ أنفُسَهم.
واختلفوا فيمَنْ نزلَتْ، فقالَ مجاهدُ وعكرمة: (نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَكَانُواْ يَقُولُونَ: نَحْنُ أهْلُ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْكِتَاب الأوَّلِ وَالْعِلْمِ الأوَّلِ، يُرِيْدُونَ الْفَخْرَ وَالسُّمْعَةَ وَالرِّيَاءَ لِكَي يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَيَحْمِدَهُمْ سَفَلَتَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ كِتَابهِمْ). وقالَ عطاءُ: (نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِيْنَ؛ كَانُواْ يَأْتُونَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَيُخَالِطُونَ الْمُسْلِمِيْنَ وَيُرَاؤُنَ بالأَعْمَالِ الَّتِي يُحِبٌّونَ أنْ يُحْمَدُواْ وَيُمْدَحُواْ عَلَى ذلِكَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ }؛ أي لا تَظُنَّهُمْ يا مُحَمَّدُ بمَنْجَاةٍ؛ أي بُعْدٍ مِن العذاب، { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }؛ وَجِيْعٌ في الآخرةِ، وتكرارُ { لاَ تَحْسَبَنَّ } لطول القصَّة. ويجوزُ أن يكونَ خبرَ { لاَ تَحْسَبَنَّ } الأوَّل مُضْمَراً تقديرهُ: لاَ يَحْسَبَنَّ الذينَ يَفْرَحُونَ بما أوْتُوا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بما لن يفعلوا نَاجِيْنَ، ومن قرأ (بمَا أوْتُوا) بالمدِّ؛ فَمَعْنَاهُ: بما أعطوا من النفقةِ والصَّدقة. ومن قرأ (بمَا أتَوا) بما أعْطَوا من الدُّنيا.