التفاسير

< >
عرض

لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ
١٩٨
-آل عمران

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }؛ تقديرُ هذه الآية مع ما قبلَها: لا يُعْجِبُكَ يا مُحَمَّدُ تقلُّبُ أولئكَ الكفار في نعيمِ الدُّنيا، بل ما أعْطِيَ المتَّقونَ فِي الآخرةِ أفضلُ، فإنَّ { ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ } أي وَحَّدُوهُ وأطاعوهُ { لَهُمْ جَنَّاتٌ } أي بساتينُ تجري من تحتِ أشجارها ومساكنها الأنْهارُ مُقِيْمِيْنَ فيها.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { نُزُلاً } أي رزْقاً وثَوَاباً لَهم، وهذا نُصِبَ على التفسيرِ؛ كما يقالُ للشيء: هِبَةٌ أو صَدَقَةٌ. ويجوزُ أن يكونَ نصباً على المصدر على معنى: انْزلُوا نُزُلاً، والنُّزُلُ: ما يُهَيَّأُ للنَّازلِ من كرامةِ وبرٍّ وطعامٍ وشرابٍ ومَنظر حَسَنٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }؛ أي مِن عندِ الله من الجزاءِ والثَّواب خيرٌ للصالحين من مَا لَهُمْ في الدُّنيا. قرأ أبو جعفر: (لَكِنَّ الَّذِيْنَ) بالتشديد. وقرأ الحسنُ والنخعيُّ: (نُزْلاً) ساكنة الزَّاي.
روَى أنسُ بن مالكٍ قَالَ:
" دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى سَرِيْرٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وسَادَةٌ مِنْ أدَمٍ وَحَشْوُهَا لِيْفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ رضي الله عنه فَانْحَرَفَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم انْحِرَافَةً؛ فَرَأى عُمَرُ أثَرَ الشَّرَيْطِ فِي جَنْبهِ فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيْكَ يا عُمَرُ؟ فَقَالَ: وَمَا لِي لاَ أبْكِي يَا رَسُولَ اللهِ! وَكِسْرَى وَقَيْصَرَ يَعِيْشَانِ فِيْمَا يَعِيْشَانِ فِيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنْتَ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أرَى، فَقَالَ: يَا عُمَرُ! أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: هُوَ كَذَلِكَ" .