التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٦
-لقمان

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالى: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ }؛ نزلت هذه الآيةُ وما بعدَها في النَّضرِ بن الحارثِ، كان اشترَى كُتباً فيها أخبارُ الأعاجمِ، ويحدِّثُ بها أهلَ مكَّة، ويتمَلَّقُ بها في المجالسِ، ويقولُ: إنَّ مُحَمَّداً يحدِّثُكم أحاديثَ عادٍ وثَمودَ، وأنا أُحدِّثُكم أحاديثَ فارس والروم، وأقرأُ عليكم كما مُحَمَّدٌ يقرأ عليكم أساطيرَ الأوَّلين هو يأتِيكم بكتابٍ فيه قصصُ الأممِ الماضيةِ، وأنا أتيتُ بمثلهِ! وكانوا يستَمْلِحُون حديثَهُ، وكان إذا سَمِعَ شيئاً من القُرْآنِ يهزأُ به ويُعرِضُ عنهُ. فذلكَ قولهُ: { وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ }؛ أي ليصرِفَ الناسَ عن دِين الله بلا علمٍ، ومن قرأ (لِيَضِلَّ) بفتحِ الياء، فمعناهُ: ليتَشَاغَلَ بما يُلهِيهِ، وليصير أمرهُ إلى الضَّلال والباطلِ.
ومعنى قولهِ تعالى { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي باطلُ الحديثِ، هذا قولُ الكلبيِّ ومقاتل، وَقِيِْلَ: المرادُ بلَهْوِ الحديثِ الغناءُ، وعن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"لاَ يَحِلُّ تَعْلِيْمُ الْمُغَنِّيَاتِ وَلاَ بَيْعُهُنَّ وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ؛ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قًطُّ عَقِيْرَتَهُ يَتَغَنَّى إلاَّ ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بأَرْجُلِهِمَا عَلَى ظَهْرِهِ وَصَدْرهِ حَتَّى يَسْكُتَ" ، وهذا قولُ سعيدِ بن جُبير ومجاهد وابنِ مسعودٍ، قالوا: (هُوَ وَاللهِ الْغِنَاءُ، وَاشْتِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ وَالْمُغَنِّي بالْمَالِ).
وقال صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ مَلأَ مَسَامِعَهُ مِنْ غِنَاءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ أنْ يَسْمَعَ أصْوَاتَ الرُّوحَانِيِّيْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قِيْلَ: وَمَا الرُّوحَانِيُّونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أهْلُ الْجَنَّةِ" ، وعن إبراهيمَ النخعيِّ أنه قالَ: (الْغِنَاءُ يُنْبتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْب) وقال مكحولُ: (مَنِ اشْتَرَى جَاريَةً ضَرَّابَةً لِيُمْسِكَهَا لِغِنَائِهَا وَضَرْبها مُقِيْماً عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي أنه جاهلٌ فيما يفعلُ، لا يفعلهُ عن عِلْمٍ، { وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً } بالرفعِ عطفاً على { مَن يَشْتَرِي }، وبالنصب عَطفاً على { لِيُضِلَّ }، والكتابةُ المذكورة تعودُ إمَّا إلى الآياتِ المذكورةِ في أوَّل السورةِ، وإما إلى (سَبيْلِ اللهِ)، والسبيلُ يُؤَنَّثُ لقولهِ
{ { قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِيۤ } [يوسف: 108].