التفاسير

< >
عرض

وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً
٢١
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }؛ أي كيف تستحلُّون أخذ شيءٌ منهُ، وقد وَصَلَ بعضُكم إلى بعضٍ. قال ابنُ عبَّاس: (الإفَْضَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ).
وقال جماعةٌ من أهلِ التَّفسيرِ: إذا كَانَ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، جَامَعَهَا أوْ لَمْ يُجامِعْهُا فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ. وعنْ زُرَارَةُ بن أوفَى أنه قال: (قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمهْدِيُّونَ: أنَّهُ مَنْ أغْلَقَ عَلَى امْرَأةٍ بَاباً، أوْ أرْخَى سِتْراً، وكَشَفَ خِمَاراً فَقَدْ وَجَبَ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ). وذكرَ الفرَّاءُ: (الإفْضَاءُ هُوَ الْخُلْوَةُ وَإنْ لَمْ يَقَعُ دُخُولٌ) كَأَنَّهُ ذهبَ إلى أن الإفضاءَ مأخوذٌ من الفضَاءِ، وهو المكانُ المتَّسعُ الذي ليسَ فيه بناءٌ ولا حاجزٌ عن إدراكِ ما فيه، فسمِّيت الخلوةُ فضاءً لحصولِ الزوج إلى جميعِ ما يقصدُه من الوطئِ، والدُّخولِ في موضعٍ لا مانعَ فيه من ذلك.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً } أي عَهْداً وَثِيْقاً وهو ذكرُ المهرِ في النِّكاح، وقيل: هو ما أشْرَطَ اللهُ تعالى للنِّساءِ على الرجلِ من إمساكٍ بمعروفٍ أو تسريحٍ بإحسان. وقال الشعبيُّ وعكرمة والربيعُ: هُوَ قَوْلُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"أخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانَةِ اللهِ؛ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ"
]. فَصْلٌ: فيما وردَ من الأخبار في الرُّخصة في الْمُغَالاَةِ بالمهور، قال عطاءُ: "خَطَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ ابْنَتَهُ أمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ مِنْ فَاطِمَةَ بنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنَّهَا صَغِيْرَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ كُلَّ نَسَبٍ وَصِهْرٍ يَنْقَطِعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلاَّ نَسَبي وَصِهْرِي فَلِذلِكَ رَغِبْتُ فِي هَذا، فَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ: فَإنِّي مُرْسِلُهَا إلَيْكَ حَتَّى تَنْظُرَ إلَى صِغَرِهَا، فَأَرْسَلَهَا إلَيْهِ، فَجَاءَتْهُ فَقَالَتْ: إنَّ أبي يَقُولُ لَكَ هَلْ رَضِيْتَ هَذِهِ الْحُلَّةَ؟ فَقَالَ: قَدْ رَضِيْتُهَا، فَأْنْكَحَهُ عَلِيٌّ؛ فأَصْدَقَهَا عُمَرُ أرْبَعِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ" . وعنْ نافعِ عن ابن عمرَ رضي الله عنه: (أنَّهُ كَانَ يُزَوِّجُ الْمَرْأةَ مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى عَشْرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ). وتزوَّج ابنُ عبَّاس امرأةً على عشرةِ آلاف دِرْهمٍ.
فَصْلٌ: في أقلِّ المهرِ. رويَ عن عمرَ رضي الله عنه: أنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ؛ فَحَمَدَ اللهَ تَعَالَى وأثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: (ألا لاَ تُغَالُواْ فِي صِدَاقِ النِّسَاءِ؛ فَإنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرَمَةً فِي الدُّنْيَا، أوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أوْلاَكُمْ بهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم). مِنْ يُمْنِ الْمَرْأةَ أنْ يَسَّرَ صِدَاقَهَا وَأَنْ يَسَّرَ رَحِمَهَا. وعن أبي هُريرة قال: (كَانَ صِدَاقُنَا مْنْذُ كَانَ فِيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرُ أوَاقٍ أرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ). وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ: (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ أمَّ سَلَمَةَ عَلَى عَشْرَةِ دَرَاهِمَ).