التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٤٧
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ }؛ أي يَا أيُّهَا الَّذِيْنَ أعْطُواْ عِلْمَ التَّوْراةِ، صدَّقوا بهذا القُرْآن الذي نَزَّلْنَا على مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُوافِقاً لِمَا معكُم من التوراةِ، { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً }؛ أي مِن قَبْلِ أن نَمْحُوَ آثاراً لوجوهٍ منها: فَنَخْسِفُ بالعينِ والأنفِ وغيرَ ذلك من آثار الوجُوهِ فنحوِّلُها إلى الأَقْفِيَةِ فتمشونَ الْقَهْقَرَى.
روي: أنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَدِمَ عَبْدُاللهِ بنُ سَلاَمٍ مِنَ الشَّامِ؛ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَأتِيَ أهْلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا كُنْتُ أرَى أنْ أصِلَ إلَيْكَ حَتَّى تُحَوِّلَ وَجْهِي فِي قِفَاءِ.
ويقال معنى: { فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ }؛ نجعلُ وجوهَهم على هَيْأَةٍ أقْفَائِهِمْ، ومعنى: { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ }؛ أو نجعلهم قِرَدَةً كما مَسَخْنَا أصحابَ السبتِ، { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }؛ قضاؤُه كائِناً لا شكَّ فيهِ، فإن قيلَ: كَيْفَ قالَ اللهُ تعالى آمِنُوا { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً } وَأَوْعَدَهُمْ بطمسِ الوُجوهِ إن لَم يؤمِنُوا، ثُمَّ لم يؤمِنوا، ولم يقع الطَّمْسُ؟ قيلَ: يحتملُ أن يكون هذا وَعِيْداً لَهم على تركِ جَمِيعهم الإسلامَ، وقد آمَنَ منهم جماعةٌ بعدَ هذه الآية كعبدِالله بنِ سلام وعبدِالله بن ثعلبةَ وأسَيْدَ بن ثعلبة وأسَيْدَ بن عبيدٍ وغيرهم، ويحتملُ أن يكون المرادُ بالآية: الطَّمْسُ في الآخرةِ، وسيفعلُ اللهُ ذلك بهم.