قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }؛ أي أيْنَمَا تَكُونُوا يَا مَعْشَرَ المؤمنينَ والمنافقينَ في بَرٍّ أو بَحْرٍ أو سَفَرٍ أو حَضَرٍ يَلْحَقْكُمُ الموتُ، وإنْ كُنْتُمْ فِي حُصُونٍ مُحَصَّنَةٍ مِن حديدٍ وغيرِه، مرتفعةٍ إلى عَنَانِ السَّماء، والمعنى: أنكم وإنْ سُومِحْتُمْ وأخذتُم بتركِ القتال، فإن آخِرَ أعماركم موتٌ لا تَنْجُونَ منه. وقال عكرمةُ: (مُشَيَّدَةٌ: مُحَصَّنَةٌ). وقال العينيُّ: (مُطَوَّلةٌ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ }؛ هذا حكايةُ قولِ المنافقين واليهودِ، كانوا يقولون: ما زلْنَا نعرفُ النَّقْصَ في ثِمارنا ومراعينا مُذْ قَدِمَ هذا الرجلُ علينا - يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم - بعدَ قُدُومِهِ المدينةَ، فذلك قوله: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي إنْ يُصِبْهُمْ خِصَبٌ ورخصُ سِعْرٍ وتتابعُ أمطار يقولوا: هذهِ من فَضْلِ الله؛ { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }؛ قَحْطٌ وجُدُوبَةٌ وغلاءُ سِعْرٍ، { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ }؛ هذه من شُؤْمِ مُحَمَّدٍ وأصحابهِ.
يقولُ الله تعالى: { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }؛ أي قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: الحسنةُ والسيِّئةُ كلُّها بقضاءِ الله وتقديرهِ، { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }؛ اليهودُ والمنافقين لا يقربونَ من فَهْمِ حديثٍ عن الله. والْفِقْهُ: هو الْفَهْمُ، ثم اختصَّ من جهة العُرْفِ بعلم الْفَتْوَى. وقال الحسنُ: (أرادَ بالْحَسَنَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: الظَّفَرَ وَالْغَنِيْمَةَ، وَبالسَّيِّئَةِ: الْقَتْلَ وَالْهَزِيْمَةَ) وَكَانُواْ إذا غَلَبُوا قَالُواْ: هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإذا غَلَبَهُمْ الْعَدُوُّ قَالُواْ: هَذِهِ مِن خَطَأ رَأيكَ وتَدْبيرِكَ.