التفاسير

< >
عرض

أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً
٧٨
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ }؛ أي أيْنَمَا تَكُونُوا يَا مَعْشَرَ المؤمنينَ والمنافقينَ في بَرٍّ أو بَحْرٍ أو سَفَرٍ أو حَضَرٍ يَلْحَقْكُمُ الموتُ، وإنْ كُنْتُمْ فِي حُصُونٍ مُحَصَّنَةٍ مِن حديدٍ وغيرِه، مرتفعةٍ إلى عَنَانِ السَّماء، والمعنى: أنكم وإنْ سُومِحْتُمْ وأخذتُم بتركِ القتال، فإن آخِرَ أعماركم موتٌ لا تَنْجُونَ منه. وقال عكرمةُ: (مُشَيَّدَةٌ: مُحَصَّنَةٌ). وقال العينيُّ: (مُطَوَّلةٌ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ }؛ هذا حكايةُ قولِ المنافقين واليهودِ، كانوا يقولون: ما زلْنَا نعرفُ النَّقْصَ في ثِمارنا ومراعينا مُذْ قَدِمَ هذا الرجلُ علينا - يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم - بعدَ قُدُومِهِ المدينةَ، فذلك قوله: { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } أي إنْ يُصِبْهُمْ خِصَبٌ ورخصُ سِعْرٍ وتتابعُ أمطار يقولوا: هذهِ من فَضْلِ الله؛ { وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }؛ قَحْطٌ وجُدُوبَةٌ وغلاءُ سِعْرٍ، { يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ }؛ هذه من شُؤْمِ مُحَمَّدٍ وأصحابهِ.
يقولُ الله تعالى: { قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ }؛ أي قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: الحسنةُ والسيِّئةُ كلُّها بقضاءِ الله وتقديرهِ، { فَمَالِ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً }؛ اليهودُ والمنافقين لا يقربونَ من فَهْمِ حديثٍ عن الله. والْفِقْهُ: هو الْفَهْمُ، ثم اختصَّ من جهة العُرْفِ بعلم الْفَتْوَى. وقال الحسنُ: (أرادَ بالْحَسَنَةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: الظَّفَرَ وَالْغَنِيْمَةَ، وَبالسَّيِّئَةِ: الْقَتْلَ وَالْهَزِيْمَةَ) وَكَانُواْ إذا غَلَبُوا قَالُواْ: هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَإذا غَلَبَهُمْ الْعَدُوُّ قَالُواْ: هَذِهِ مِن خَطَأ رَأيكَ وتَدْبيرِكَ.