التفاسير

< >
عرض

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً
٨٤
-النساء

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ }؛ وذلك أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا الْتَقَى هُوَ وَأبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أحُدٍ وَكَانَ مِنْ أمْرِهِمْ مَا كَانَ، وَرَجَعَ أبُو سُفْيَانَ إلَى مَكَّةَ وَوَاعَدَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرَ الصُّغْرَى فِي ذِي الْقِعْدةِ، فَلَمَّا بَلَغَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم الْمِيْعَادُ، قَالَ لِلَّناسِ: اخْرُجُوا إلَى الْعَدُوِّ، فَكَرِهُوا ذلِكَ كَرَاهَةً شَدِيْدَةً أوْ بَعْضَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي لا تَدَعْ بجهاد العدو ولو وحدك.
وَقِيْلَ: لا تُؤَاخَذُ بفعلِ غيرِك، وإنَّما تُؤَاخَذُ بفعلِ نفسِك وليسَ عليك ذنبُ غيرِك، { وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ }؛ على القتالِ لَعَلَّ اللهَ أن يَكُفَّ عنكَ قتالَ الكفَّار، وعسَى مِن اللهِ واجبٌ؛ لأنهُ في اللغة الإطْمَاعُ، وإطماعُ الكريْمِ لا يكونُ إلا إنجازاً.
والفاءُ: في قوله: { فَقَاتِلْ } جوابٌ عن قولهِ:
{ { وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } [النساء: 74] فَقَاتِلْ وحَرِّضِ المؤمنينَ على القتالِ؛ أي حَرِّضْهُمْ على القتالِ ورَغِّبْهُمْ فيهِ. فَتَثَاقَلُوا وَلَمْ يَخْرُجُواْ مَعَه؛ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبْعِيْنَ رَاكِباً حَتَّى أتَي بَدرَ الصُّغْرَى؛ فَكَفَاهُمُ اللهُ بَأسَ الْعَدُوِّ وَلَمْ يُوافِقْهُمْ أبُو سُفْيَانَ؛ ولَمْ يَكُنْ قِتَالٌ يَوْمَئِذٍ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }؛ أي قتالَ المشركينَ وصولَتَهم، { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }؛ أي عُقُوبَةٌ.