التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
١٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٣
أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤
-الأحقاف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ }؛ أي قالَ الكفارُ مِن بني أسَدٍ وغطَفان وأشجَعَ لِمَن أسلمَ من جُهينَةَ ومُزَيْنَةَ وأسْلمَ وغِفَارٍ: (لَوْ كَانَ هَذا) يعنُونَ القرآنَ (خَيْراً) مما نحنُ عليهِ لَمَا سبقَ رعاةُ الشاةِ ونحن أرفعُ منهم، { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ }؛ مع ظُهورهِ ووضُوحهِ، { فَسَيَقُولُونَ } مع ذلك، { هَـٰذَآ }؛ القرآنُ؛ { إِفْكٌ قَدِيمٌ }؛ كذِبٌ متقَادِمٌ أتَّبعَهُ مُحَمَّدٌ وأحِبَّاؤهُ في عصرهِ.
يقول اللهُ تعالى: { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً }؛ أي ويشهدُ للقرآن كتابُ موسَى قبلَهُ إمامٌ يُقتدَى ونجاةٌ من العذاب لِمَن آمنَ به، { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } وَهَذَا القرآنُ مُصَدِّقٌ لِمَا في التوراةِ. وقولهُ تعالى: { لِّسَاناً عَرَبِيّاً }؛ أي بلسانٍ عربيٍّ تَعقِلونَهُ. ويجوزُ أن يكون منصوباً على الحالِ، ويكون (لِسَاناً) توكيداً، كما يقالُ: جاءَنِي زيدٌ رجلاً صالحاً، يريدُ: جاءَنِي زيدٌ صالحاً، وقال الزجَّاجُ: (قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِمَاماً } نُصِبَ عَلَى الْحَالِ) تَقْدِيرُهُ: وَتَقَدَّمَهُ كِتَابُ مُوسَى عليه السلام إمَاماً.
وَفِي الْكَلام محذوفٌ تقديرهُ: إمَاماً ورحمةً فَلَمْ يَهْتَدُوا بهِ، يدلُّ عليه قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } وذلك أنَّ المشرِكين لم يهَتدُوا بالتوراةِ فيترُكوا عبادةَ الأصنامِ ويعرِفُوا منه صفةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثم قالَ تعالى: { وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ }؛ غيرَ الكُتب التي قبلَهُ { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } منصوبٌ على الحالِ؛ أي مصَدِّقٌ لما بين يَدَيهِ عَرَبيّاً. ومعنى قولهِ تعالى: { كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً } أي يُقتدَى بهِ؛ يعني التوراةَ، { وَرَحْمَةً } من اللهِ للمؤمنين به؛ قِيْلَ: القرآنُ.
وعن عروة عن أبيه قالَ: (كَانَتْ زنِّيرَةُ أمْرَأةً ضَعِيفَةَ الْبَصَرِ، فَلَمَّا أسْلَمَتْ كَانَ الأَشْرَافُ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ يَسْتَهْزِئُونَ بهَا وَيَقُولُونَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بهِ مُحَمَّدٌ خَيْراً مَا سَبَقَتْنَا إلَيْهِ زنِّيرَةُ. فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِيْهَا وَفِي أمْثَالِهَا { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } أيْ أسَاطيرُ الأَوَّلِينَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { لِّيُنذِرَ }؛ أي أنزلناهُ لِتُخَوِّفَ، { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ }، يعني مُشرِكي مكَّة. ومَن قرأ بالياءِ أسندَ الفعلَ إلى الكتاب. وقولهُ تعالى: { وَبُشْرَىٰ } أي وهو بُشْرَى، { لِلْمُحْسِنِينَ }؛ الموحِّدين، يعني الكتابَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.