التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
٥٥
-المائدة

التفسير الكبير

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }؛ قال ابنُ عبَّاس: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي مُسْلِمِي أهْلِ الْكِتَاب: عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ وأصْحَابهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، بُيُوتُنَا قَاصِيَةٌ، وَلاَ نَجِدُ مُتَحَدِّثاً دُونَ هَذا الْمَسْجِدِ، وَإنَّ قَوْمَنَا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ لَمَّا رَأَوْنَا قَدْ آمَنَّا باللهِ وَرَسُولِهِ وَتَرَكْنَاهُمْ وَدِينَهُمْ، أظْهَرُوا لَنَا الْعَدَاوَةَ، وأَقْسَمُواْ أنْ لاَ يُنَاكِحُونَا وَلاَ يُوَاكِلُونَا وَلاَ يُخالِطُونَا، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أنْ نُجَالِسَ أصْحَابَكَ لِبُعْدِ الْمَوْضِعِ.
فََبَيْنَمَا هُمْ يَشْكُونَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ فِيْهِ مِنْ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ، إذا بمسْكِينٍ يَطُوفُ يَسْأْلُ النَّاسَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أعْطَاكَ أحَدٌ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَاذا؟ قَالَ: خَاتَمُ فِضَّةٍ، قَالَ: مَنْ أعْطَاكَهُ؟ قَالَ: ذاكَ الرَّجُلُ، فَإذا هُوَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، قَالَ: عَلَى أيِّ حَالٍ أعْطَاكَهُ؟ قَالَ: أعْطَِانِيَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَقَرَأ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ عَلَى عَبْدِاللهِ بْنِ سَلاَمٍ وَأصْحَابهِ"
.
وألبَسَهُمْ بما أبدلَهم اللهُ به من ولايتهِ وولاية رسولهِ وولاية المؤمنين، ومعنى الآيةِ: إنَّما حافِظُكم وناصرُكم اللهُ ورسوله والمؤمنون الذي يُقيمون الصلاةَ بحقوقها ويؤتُون الزكاةَ في حالِ رُكوعهم. وفي الآيةِ دليلٌ على إباحةِ العمل اليسيرِ في الصَّلاة، فلما قرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليهم الآية قالَ عبدُ الله بن سلام وأصحابه: (رَضِينَا باللهِ وَبرَسُولِهِ وَبالْمُؤْمِنِينَ أوْلِيَاءً).
"ورُوي أن عبدَالله بن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَان ذاتَ يومٍ جالساً عند شَفير زَمْزَمَ يقولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إذا أقْبَلَ رَجُلٌ مُتَعَمِّمٌ بعِمَامَةٍ قَالَ: فَهَلاَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ألا قَالَ ذلِكَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلْتُكَ باللهِ مَنْ أنْتَ؟ فَكَشَفَ الْعِمَامَةَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: أيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ الْبَدْريُّ، أنَا أبُو ذرٍّ الْغَفَّاريُّ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بهَاتَيْنِ وَإلاَّ فَصُمَّتَا، وَرَأيْتُهُ بهَاتَيْنِ وَإلاَّ فَعَمِيَتَا، يَقُولُ عَلَى قَائِدِ الْبُرْدَةِ وَقَاتِلِ الْكَفَرَةِ: مَنْصُورٌ مَنْ نَصَرَهُ، مَخْذُولٌ مَنْ خَذلَهُ" .
أمَا إنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً مِنَ الأَيَّامِ صَلاَةَ الظُّهْرِ، فَسَأَلَ سَائِلٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يُعْطِهِ أحَدٌ، فَرَفَعَ السَّائِلُ رَأسَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ أنِّي سَأَلْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وسلم يَوْماً مِنَ الأيَّامِ فَلَمْ يُعْطِنِي أحَدٌ، وَكَانَ عَلِيٌّ راكِعاً فَأَوْمَأَ إلَيْهِ نَحْوَهُ بخِنْصَرِهِ الْيُمْنَى وَكَانَ فِيهَا خَاتَمٌ، فَأَخَذ السَّائِلُ الْخَاتَمَ مِنْ خِنْصَرِهِ وَذَلِكَ بحَضْرَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأسَهُ إلَى السَّمَاءِ قَالَ: "اللَّهُمَّ أخِي مُوسَى سَأَلَكَ قَالَ: { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي * وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي }. فَأَنْزَلْتَ عَلَيْهِ { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ }، اللَّهُمَّ وَأنَا مُحَمَّدٌ نَبيُّكَ وَصَفِيُّكَ، اللَّهُمَّ فَاشْرَحْ لِي صَدْري، وَيَسِّرْ لِي أمْرِي، وَاجْعَلْ لِي وَزيراً مِنْ أهْلِي عَلِيّاً اشْدُدْ بهِ ظَهْرِي"
]. قَالَ أبُو ذرٍّ: فَمَا اسْتَتَمَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكَلاَمَ حَتَّّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام بهَذِهِ الآيَةِ { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }.