التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
-المائدة

التفسير الكبير

قوْلُهُ تَعَالَى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ }؛ الْمَيْسِرُ: هو القِمَارُ كلُّه. والأَنْصَابُ: هي الأحجَارُ؛ كانوا ينصبونَها ويعبدونَها. والأَزْلاَمُ: هي الأَزْلاَمُ التي كانوا يخيلونَها عند المعزمِ على الْمَسِيرِ.
نَهى اللهُ عن هذه الأشياءِ، وحرَّمَها بأبلغِ أسباب التحريمِ؛ لأنه تعالى سَمَّاها كلها رجْساً، والرِّجْسُ: هو الشيءُ المستقذرُ النَّجِسُ، الذي يرتفع "في القُبحِ"، ذكرَهُ بالفتحِ؛ يقال: رَجَسَ الرَّجُلُ يَرْجِسُ، ورَجِسَ يَرْجِسُ. والرَّجْسُ بفتحِ الراءِ: شدَّةُ الصوتِ، ورعدٌ رَجَّاسٌ إذا كان شديدَ الصوتِ. وسُميت هذه المعاصي رجْسًا؛ لوجوب اجتنابها كما يجبُ اجتناب الشيءِ المستقذر.
قولهُ عَزَّ وَجَلَّ: { مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ }؛ أي من تزيينهِ؛ لأنه هو الداعِي إليه والمرغِّبُ فيه والمرنِّنُ له في قُلوب فَاعليه. وقولهُ تعالى: { فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }؛ أمرٌ باجتنابهِ وهو تَركُه بَاطناً، وظاهر الأمرُ على الوجوب. وروي عن عثمانَ بن عفَّان رضي الله عنه أنه قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ اللهَ تَعَالَى يُجْمِعُ الْخَمْرَ وَالإيْمَانَ فِي قَلْب مُؤْمِنٍ أبَداً" . وقالَ صلى الله عليه وسلم: "مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابدِ الْوَثَنِ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ"
]. وقالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا سَقَاهُ اللهُ مِنْ سُمِّ الأَسَاوِدِ، وَسُمِّ الْعَقَارب، إذا شَرِبَهُ تَسَاقَطَ لَحْمُ وَجْهِهِ فِي الإنَاءِ قَبْلَ أنْ يَشْرَبَهَا، فَإذا شَرِبَهَا يُفَسَّخُ لَحْمُهُ بالْجِيفَةِ، يَتَأَذى بهِ أهْلُ الْمَوْقِفِ. وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ أنْ يَتُوبَ مِنْ شُرْب الْخَمْرِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أنْ يَسْقِيَهُ بكُلِّ جُرْعَةٍ شَرِبَهَا فِي الدُّنْيَا شَرْبَةً مِنْ صَدِيدِ أهْلِ جَهَنَّمَ"
]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ وَسَاقِيهَا؛ وَشَارِبَهَا؛ وَبَائِعَهَا؛ وَمُبْتَاعَهَا؛ وَعَاصِرَهَا؛ وَمُعْتَصِرَهَا؛ وَحَامِلَهَا؛ وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ؛ وآكِلَ ثَمَنِهَا" . وقالَ صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ" . وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَ أنْ حَرَّمَهَا اللهُ عَلَى لِسَانِي، فَلَيْسَ لَهُ أنْ يُزَوَّجَ إذا خَطَبَ، وَلاَ يُصَدَّقَ إذا حَدَّثَ، وَلاَ يُشَفَّعَ إذا شَفَعَ، وَلاَ يُؤْتَمَنَ عَلَى أَمَانَةٍ؛ فَمَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَى أمَانَةٍ فَاسْتَهْلَكَهَا فَحَقٌّ عَلَى اللهِ تَعَالَى أنْ لاَ يُخْلِفَ عَلَيْهِ"
].