التفاسير

< >
عرض

مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

التفسير الكبير

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا }؛ أي مَن جاءَ بِخصْلَةٍ من الطاعاتِ فله عَشْرُ حسناتٍ، { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا }؛ أي مَن جاءَ بخصْلَةٍ من المعصيةِ فلا يُجزى إلاَّ مثلَها، { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }؛ بالزيادةِ على مقدار ما يستحقُّون من العقاب، وإنَّما قالَ ذلك لأنَّ الفضلَ بالنِّعَمِ جائزٌ، والابتداءُ بالعقاب لا يجوزُ. وقرأ الحسنُ وسعيدُ بن جبير ويعقوبُ: (فَلَهُ عَشْرٌ) بالتنوينِ (أمْثَالُهَا) بالرَّفِعِ على معنى: فَلَهُ حسناتٌ عشرٌ أمثالُها.
وقد تكلَّمَ أهلُ العلمِ بالحسنات العَشْرِ التي وَعَدَ اللهُ في هذه الآية؛ فقالَ بعضُهم: المرادُ بها التحديدُ بالعشرةِ. وقال بعضُهم: المرادُ بها التضعيفُ دونَ التَّحديدِ بالعشرة؛ كما يقولُ القائل: لإِنْ أسديتَ إلَيَّ معروفاً لأَكَافِئَنَّكَ بعشرةِ أمثالهِ.
ثُمَّ اختلفُوا؛ فقالَ بعضُهم: هو كُلُّهُ بفضلٍ وثَوَابٍ غير ذلكَ؛ كأنهُ قال تعالى: مَنْ جَاءَ بالْحَسَنَةِ فلهُ عشرُ حسناتٍ من النِّعَمِ والسُّرورةِ زيادةً على ثواب حَسَنَتِهِ. قالُوا: ولا يجوزُ أن تُسَاوَى منْزلةُ التفضيل بمَنْزِلَةَ الثواب؛ لأن الثوابَ لا بُدَّ أن يُقَارِنَهُ التعظيمُ والإجلالُ.
وقال بعضُهم: هذه الحسناتُ العَشْرُ تفضُّلٌ من اللهِ تعالى؛ قالوا: ويجوزُ أن يَتَفَضَّلَ على مَن لا يعملُ مِثْلَ ثواب العامل ابتذالاً منه؛ وتفضل في فعله على مَن لا يستحق عليه شيء.
وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ
"إذا حَسُنَ إسْلاَمُ أحَدِكُمْ؛ فَكُلُّ حَسَنَّةٍ يَعْمَلُهَا يُكْتَبُ لَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا؛ إلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ؛ إلَى مَا شَاءَ اللهُ. وَكُلّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا؛ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُهَا إلَى أنْ يَلْقَى الله تَعَالَى"
]. وعن خُرَيْمِ بنِ فَاتِكٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ سِتَّةٌ: مُوجِبَتَانِ؛ وَمِثْلٌ بِمثْلٍ؛ وَحَسَنَّةٌ بحَسَنَةٍ؛ وَحَسَنَةٌ بعْشَرٍ؛ وَحَسَنَةٌ بسَبْعِمِائَةٍ. فَأَمَّا الْمُوجِبَتَانِ؛ فَهُوَ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ، ومَنْ مَاتَ وَهُوَ مُشْرِكٌ باللهِ دَخَلَ النَّارَ. وَأمَّا مِثْلٌ بمِثْلٍ؛ فَمَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً؛ فَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ بمِثْلِهَا. وَأمَّا حَسَنَةٌ بحَسَنَةٍ؛ فَمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ حَتَّى يُشْعِرَ بهَا نَفْسَهُ وَيَعْلَمُهَا اللهُ مِنْ قَلْبهِ؛ كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ. وَأمَّا حَسَنَةٌ بعَشْرٍ؛ فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا. وَأمَّا حَسَنَةٌ بسَبْعِمِائَةٍ؛ فَالنَّفَقَةُ فِي سَبيْلِ اللهِ"
].