التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥٤
-الأنعام

التفسير الكبير

وَقَوْلَهُ تَعَالَى: { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }؛ اختلفُوا فيمَنْ نزلت هذه الآيةُ؛ فقال عكرمةُ: نَزَلَتْ فِي الَّذِيْنَ نَهَى اللهُ نَبيَِّهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ طَرْدِهِمْ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إذا رَآهُمْ بَدَأهُمْ بالسَّلاَمِ وَقَالَ: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أمَرَنِي أنْ أبْدَأهُمْ بالسَّلاَمِ" .
وقَالَ ابنُ عبَّاس والكلبِيُّ: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ } [الأنعام: 52] الآيةُ، جَاءَ عُمَرُ رضي الله عنه مُعْتَذِراً مِنْ مَقَالَتِهِ؛ فأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا } الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَالقُرْآنِ { فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } أي قَبلَ اللهُ مَعْذِرَتَهُمْ وَتَوْبَتَهُمْ). ومعنى السَّلاَمِ: السلامةُ من جميع الآفاتِ.
وقيل: إنَّ اللهَ تعالى أمرَ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم أنْ يُسَلِّمَ على المستضعفين إذا جاءُوا إليه، وإنَّما أمرَهُ بأن يبدأهم بالسَّلامِ مع أن العادةَ أن يُسَلَّمَ على القاعدِ حتى يَنْبَسِطَ إليهم بالسَّلامِ عليهم؛ لِئَلاَّ يحتشمُوا من الانبساطِ إليه. قال عطاءُ: (نَزَلَتْ فِي أبي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَليٍّ وأَبي عُبَيْدَةَ وَبلاَلٍ وَسَالِمٍ وَمُصْعَب بْنِ عُمَيْرٍ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرَ وَعُثْمَانَ ابْنِ مَضْعُونٍ وَعَمَّار بْنِ يَاسِرٍ).
وعن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه قالَ: (أتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجَالٌ فَقَالُواْ: إنَّا أصَبْنَا ذُنُوباً عَظِيمَةً كَبِيْرَةً، فَسَكَتَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَنْزَلَ اللهُ تعَالىَ: { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
واختلفُوا في قوله: { سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ } قال مجاهدُ: (مَعْنَاهُ: لاَ يَعْرِفُ حَلاَلاً مِنْ حَرَامٍ، فَمِنْ جَهَالَتِهِ رَكِبَ الأََمْرَ). وقيل: جاهلٌ بما يُورثُهُ ذلك الذنبُ. وقيل: جَهِلَ حين آثَرَ المعصيةَ على الطاعةِ، واللذةَ اليسيرةَ الفانيةَ على الكثيرةِ الباقية الدائمةِ، فعلى هذا يسمَّى مرتكبُ المعصيةِ جاهلاً.
واختلفَ القُرَّاءُ في قولهِ تعالى: { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ } وقولهِ: { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فكسَرَهما جميعاً ابنُ كثير وأبو عمرٍو وحمزة والكسائيُّ وخلف والأعمشُ على الاستئناف. ونصَبَهما الحسنُ وابن عامر وعاصمُ ويعقوب بدلاً من الرحمةِ. وفتحَ نافعُ الأولَ على معنى: وَكَتَبَ أنَّهُ مَنْ عَمِلَ، وكسرَ الثانِي على الاستئنافِ.