قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ }؛ أي ألَمْ يعلم أهلُ مكَّة كم أهلَكنا من قبلهم من قرنٍ بكفرهم، مثلَ قومِ نُوح وعَاد وثَمود, { مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ }؛ وأمهلناهم في العُمْرِ والولد ورفعِ الموانع ما لَمْ نُمْهلْ لكم، { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً }؛ أي فأنزلنا عليهم المطرَ دَارّاً دائماً يتبعُ بعضُه بعضاً، { وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ }؛ "أي مِنْ تَحْتِ" أشجارِهم وبساتينهم، فلم يشكرُوا وعَصَوا ربَّهم وكذبوا رسلَهُم، { فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ }؛ بكفرهم وتكذيبهم، { وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ }؛ أي مِن بعدِ هلاكِهم، { قَرْناً }؛ قَوْماً، { آخَرِينَ }؛ فسكَنُوا ديارَهم، ثم بُعِثْتْ إليهم الرُّسلُ، فمن لم يأخُذْ بِملَّةِ الرُّسُل ومنهاجهم أهلكَهم الله.
والقَرْنُ - في قول أكثرِ المفسِّرين -: أهلُ عَصْرٍ واحدٍ، سُمُّوا قَرْناً؛ لاقترانِهم في قَرْنٍ واحد. ويقالُ: أهلُ كلِّ عصرٍ فيهم نبِيٌّ أو عالِمٌ، لاقترانِهم بالنبوَّة والعلم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثمَّ الَّذِيْنَ يَلُونَهُمْ" وأرادَ بالقرن، الأوَّل: الصَّحابةَ، وبالثانِي: التابعين، وبالثالِث: تابعِي التابعين. واختلفُوا في مدَّة القرن؛ قال بعضُهم: ثَمَانُونَ سنةً، وقيل: مِائةُ سنةٍ، وبين القرنين ثَمَانِي عشرةَ سنَةً.