التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ
٩٤
-الأنعام

التفسير الكبير

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }؛ أي جئتمونا بلا مَالٍ ولا وَلَدٍ كما خلقناكُم في الابتداءِ، والمعنى: أنهُ يقال لَهم: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ }. وفي الخبرِ: "أنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: (وَاسَوْأَتَاهُ! الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَذلِكَ) فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، لاَ يَنْظُرُ الرِّجَالُ إلَى النِّسَاءِ، وَلاَ النِّسَاءُ إلَى الرِّجَالِ، شُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ" .
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ }؛ أي وخلَّفتُم ما أعطيناكم من الأموال لغيركم أي خَلَّفَ عليها غيرَكم في دار الدُّنيا، ولم تقدِّموها لأنفسكم، { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ }، آلِهَتَكَم، { ٱلَّذِينَ }، التي، { زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ }، يشفعون لكم ويقرِّبونكم إلَيَّ، { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }؛ أي وَصْلُكُمْ.
ومن قرأ (بَيْنَكُمْ) بالنصب فمعناه: تقطعَ ما بينَكم؛ أي ما كنتم فيه من الشِّركة، { وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }؛ أنَِّها شفعاؤُكم عندَ الله حين لم يقدرُوا عن دفعِ شيء من العذاب عنكُم.
وقال الحسنُ: (مَعْنَى قَوْلِهِ: { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ } أيْ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ). وقال ابنُ كيسان: (مُفْرَدِيْنَ مِنَ الْمَعْبُودِيْنَ). وقيل: (فُرَادَى) أي وحْداناً لا مالَ لكم ولا زوجَ ولا ولدَ ولا خدم. فُرَادَى: جمعَ فَرْدٍ، مثلُ سَكْرَانٍ وَسُكَارَى، كَسْلاَنٍ وكُسَالَى. ويقال أيضاً: فُرَادَى بجزمِ الرَّاء وكسرها وفتحها، وجمعه أفْرَادٌ. وقرأ الأعرجُ: (فُرْدَى) بغيرِ ألِفٍ مثل سُكْرَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } أي ما أعطيناكم وملَّكناكم من الأموال والأولاد والخدَم وراءَ ظهوركم في الدنيا. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } قرأ أهلُ الحجاز والحسن ومجاهد والكسائيُّ وحفص بالنصب؛ وهي قراءة أبي موسَى الأشعري، وقرأ الباقون بالرفع.