التفاسير

< >
عرض

فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
١٦٥
-الأعراف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ }؛ أي فلمَّا ترَكُوا ما وُعِظُوا به، { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ }؛ أي خلَّصنا الذين يَنْهَوْنَ عن حبسِ السَّمك في الحظيرةِ يومَ السَّبتِ، { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ }؛ أي شديدٍ، يقالُ بَئِسَ وبَيْسَ وَبَأْسَ إذا اشْتَدَّ، وبَؤُسَ يَبْؤُسُ بُؤْساً إذا افْتَقَرَ. وقوله تعالى: { بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }؛ أي بفِسقِهم.
ولَم يُذكَر في الآيةِ حالُ الفرقةِ الثالثة، وقد رُوي عن ابنِ عبَّاس أنه قال: (كَانَ الْقَوْمُ ثَلاَثَ فِرَقٍ، فَكَانَتِ الْفِرْقَةُ الْوُسْطَى تَعْمَلُ بالسُّوءِ، وَالْفِرْقَةُ الْيُمْنَى تَنْهَى وَتُحَذِّرُهُمْ بَأْسَ اللهِ، وَكَانَتِ الأُخْرَى تَكُفُّ ألْسِنَتَهَا وَتُمْسِكُ أيْدِيَهَا. فَلَمَّا عَمِلَتِ الْوُسْطَى بذلِكَ زَمَاناً، وَكَثُرَتْ أمْوَالُهُمْ، وَلَمْ يُنْزَلْ بهِمْ عُقُوبَةٌ، اسْتَبْشَرُواْ وَقَالُواْ مَا نَرَى السَّبْتَ إلاَّ قَدْ حَلَّ لَنَا وَذَهَبَتْ حُرْمَتُهُ، وَكَانُوا نَحْواً مِنْ سَبْعِينَ ألْفاً، وَكَانَتِ الْفِرْقَةُ النَّاهِيَةُ نَحْوَ اثْنَى عَشََرَ ألْفاً، يَقُولُونَ لَهُمْ: لاَ تَعْدُوا، وَلاَ تَأْمَنُوا مِنْ عَذاب اللهِ، فَلَمْ يَتَّعِظُواْ فأَصْبَحُواْ وَقَدْ مَسَخَهُمُ اللهُ قِرَدَةً خَاسِئِينَ، فَمَكَثُواْ كَذِلكَ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ، ثُمَّ مَاتُواْ).
قال ابنُ عبَّاس: ((وَأنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وَلَيْتَ شِعْرِي مَا صَنَعَ اللهُ بالَّذِينَ لَمْ يَنْهَوا)، وقال عكرمةُ: (بَلْ أهْلَكَهُمُ اللهُ أيْضاً وَمَا نَجَّا إلاَّ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ، وَهَلَكَ الْبَاقُونَ بظُلْمِهِمْ بالاسْتِحْلاَلِ وَتَرْكِ الأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ). فقال ابنُ عبَّاس: (نَزَلَ وَاللهِ بالْمُدَاهِنِ مَا نَزَلَ بالْمُسْتَحِلِّ).
وقال الحسنُ: (نَجَتْ فِرْقَتَانِ، وَهَلَكَتْ فِرْقَةٌ) وأنكرَ القولَ الذي ذُكر له عن ابنِ عبَّاس، وقالَ: (مَا هَلَكَتْ إلاَّ فِرْقَةٌ؛ لأنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أبْلَغَ فِي الأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ وَالْوَعْظِ مِنْ ذِكْرِ الْوَعِيدِ، وَقَدْ ذكَرَتِ الْفِرْقةُ الثَّالِثَةُ الْوَعِيدَ فَقَالَتْ: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَديداً) وقول الحسنِ أقربُ إلى ظاهرِ الآية.