التفاسير

< >
عرض

وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٧١
-الأعراف

التفسير الكبير

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ }؛ معناهُ: واذكُرْ يا مُحَمَّدُ إذْ قَلَعْنَا الجبلَ من أصلهِ فجعلناهُ كالظُّلَّةِ فوقَ رأسِ بني إسرائيل، وكلُّ شىء اقتلعتَهُ فقد نَتَقَْتَهُ، ومنه نَتَقَتِ المرأةُ إذا أكثرَتِ الولَدَ؛ أي اقتلَعَتْ ما رَحِمِهَا من ولدِها، وامرأةٌ مِنْتَاقٌ إذا كانت تكثرُ الولدَ.
وقال مجاهدُ: (نَتَقْنَا الْجَبَلَ؛ أيْ قَطَعْنَا الْجَبَلَ). وقال الفرَّاءُ: (عَلَّقْنَا). وقال بعضُهم: أصلُ النُّتُوقِ وَالنَّتْقِ أنْ تقطعَ الشيءَ من موضعهِ فترمِي به، وقال أبانُ بن ثعلبةَ: (سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ الْعَرَب يَقُولُ لِغُلاَمِهِ خُذِ الْجُوَالِقَ وَانْتُقْهُ؛ أيْ نَكِّسْهُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ }. قال عطاءٌ (كَأَنَّهُ سَقِيفَةٌ، وَالظُّلَّةُ كُلُّ مَا أظَلَّكَ).
قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ }؛ أي ظَنُّوا أنه ساقطٌ عليهم لارتفاعهِ فوقَهم، وكان السببُ في رفعهِ فوقَهم أنه لَمَّا شقَّ عليهم ما كان في التوارةِ من المواثيقِ، وخَافُوا أن لا يُمكِنَهم الوفاءُ به امتَنَعُوا عن التزامهِ، فرفعَ اللهُ الجبلَ فوقَهم.
وقولهُ تعالى: { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ }؛ أي وقُلنا لَهم خذُوا ما آتينَاكُم بقوَّة، أي اعمَلُوا به بجِدٍّ ومواظبةٍ في طاعةٍ، { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أيْ ما في الكتاب الذي أعطينَاكُم من عِظَةٍ وجزاءٍ لكي تتَّقُوا المعاصيَ، وكان دَكّاً حين أبَوا أنْ يَقْبَلُوا أحكامَ التَّوراة ويعمَلُوا بما فيها، وكانت شريعةً ثَقيلةً فرفعَ اللهُ عليهم جَبَلاً على مقدارِ عسكَرِهم، وَكانوا فَرْسَخاً في فَرْسَخٍ، وَقِيْلَ لَهم: إنّ قَبلْتُمْ ما فيها وإلاَّ لَنُوقِعَنَّهُ عَلَيْكُمْ.
قال الحسنُ: (فَلَمَّا نَظَرُوا إلَى الْجَبَلِ، خَرَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَاجِداً عَلَى حاجِبهِ الأَيْسَرِ، وَنَظَرَ بعَيْنِِهِ الْيُمْنَى إلَى الْجََبَلِ خَوْفاً أنْ يَسْقُطَ عَلَيْهِمْ، فَلِذلِكَ لَيْسَ فِي الأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلاَّ وَهُوَ يَسْجُدُ عَلَى حَاجِبهِ الأَيْسَرِ، وَيَقُولُونَ: هَذِهِ السَّجْدَةُ الَّتِي رُفِعَتْ بهَا عَنَّا الْعُقُوبَةُ).