التفاسير

< >
عرض

لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٨
أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
١٩
ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ
٢٠
وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ
٢١
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٢
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ
٢٣
سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ
٢٤
وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ
٢٥
-الرعد

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } أي: أجابوا ربهم فيما دعاهم إليه، وإنما دعاهم إلى السبب الذي يوجب لهم دار السلام وهي الجنة بقوله: [ { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [يونس: 25] دعاهم إلى دار السلام ومكن لهم من الإجابة له والرد، فمن أجابه فيما دعاه كان له دار السلام]، والحسنى الذي ذكر، ومن رد دعاءه كان له النار ودار الهوان؛ فأيهما اختار، فله الموعود الذي وعد؛ إن اختار إجابته إلى ما دعاه؛ فله النعيم الدائم الذي وعد ودار السلام؛ وإن اختار الرد وترك الإجابة، فله ما وعد من العذاب الدائم والهوان.
والأمثال التي ذكر أنها { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ } هو هكذا للمؤمنين؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وكذلك ما ذكر من القرآن أنه هدى ورحمة للمؤمنين، وأمّا على أهل الكفر؛ فهو عمى وضلال. وكذلك قوله:
{ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [التوبة: 14] وأمّا قلوب الكفرة فما ذكر: { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125] و { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً } [البقرة: 10] وأمثاله.
وقوله - عز وجل -: { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ }.
أي: ضِعْفه معه؛ لافتدوا به، يذكر هذا - والله أعلم - أن الذي كان يمنعهم عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه - رغبتهم في هذه الدنيا؛ وميلهم إليها؛ يتمنون - لما يحل فيهم من العذاب والشدائد - أن يكون لهم ما في الأرض جميعاً أن يفتدوا به.
{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ }.
أي: يحاسبون حساباً يسوءهم؛ لأن حسناتهم التي عملوها وطمعوا الإنتفاع بها - لم تنفعهم بل صارت كالسراب الذي ذكر:
{ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً } [النور: 39] ولم يتجاوز عن سيئاتهم { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي: الذي يأوون إليه؛ هو جهنم وبئس المهاد؛ لما يسوءهم ذلك والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } أي: من يعلم الحق حقّاً كمن هو يعمى عنه ولا يعلم؟ أو من يعلم الحقّ أنه حق؛ كمن يعلمه باطلاً؟ ليسا بسواء؛ كقوله:
{ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9].
وقوله - عز وجل -: { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }.
[أي] إنما يتذكر - بالتذكير أولو الألباب وذوو العقول؛ الذين ينتفعون بعقولهم ولُبّهم.
ثم بين من هم فقال: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ }.
يحتمل عهد الله عهد خلقه؛ يوفون بما في خلقتهم [من العهد]؛ إذ في خلقة كل أحد - دلالة وحدانيته، وشهادة ألوهيته؛ فوفوا ذلك العهد.
ويحتمل: عهد الله ما جرى على ألسن الرسل، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم؛ وهو ما ذكر في آية أخرى:
{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ... } الآية [آل عمران: 81] { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } الآية [آل عمران: 187].
{ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ }.
العهد والميثاق واحد، وسمي العهد ميثاقاً؛ لأنه يوثق المرء، ويمنعه عن الاشتغال بغيره. والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } الصلات التي أمر الله بها أن توصل على جهات ومراتب: أما ما بينه وبين المؤمنين: ألاَّ يحب لهم إلا ما يحب ولا يصحبهم إلا بما يحب هو أن يصحب، وأما فيما بينه وبين محارمه: أن يؤوي ويحفظ الحقوق التي جعل الله لبعضهم على بعض؛ ولا يضيعها. وأما فيما بينه وبين الرسل: فهو أن من حقهم أن يوصل الإيمان بالنبيين جميعاً؛ والكتب كلها.
هذا والله أعلم الصلة التي أمر الله أن يوصل بها.
{ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } إما في التقصير فيما أمر أن يوصل، وإما بالتفريط في ذلك، وترك الصلة.
{ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }
أي: شدة الحساب؛ حين لم تنفعهم حسناتهم؛ ولا يتجاوز عن شيء من سيئاتهم؛ فذلك يسوءهم. والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ } قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر: هو كف النفس وحبسها عما تهواه؛ على ما تكره ويثقل عليها.
ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب، وعلى أداء ما افترض الله عليهم وأمرهم بها، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا. والله أعلم.
[وقوله:{ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } يحتمل وجهين. يحتمل: ابتغاء رضوان الله.
ويحتمل: ابتغاء وجه يكون لهم عند الله]، وهو المنزلة والرفعة، ولذلك سمي الرفيع وذو المنزلة: وجيهاً كقوله:
{ وَجِيهاً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [آل عمران: 45] أي: ذو منزلة ورفعة في الدنيا والآخرة. وعلى ذلك يخرج قوله: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [البقرة: 115] أي: ثمَّ الجهة التي أمر الله أن يتوجه إليها، فعلى ذلك هذا { صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي: ابتغاء المنزلة والرفعة التي عند ربهم؛ أو ابتغاء رضوان الله ومرضاته والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ }.
أي: داموا على إقامتها؛ ليس أنهم أقاموا مرة ثم تركوها؛ ولكن داموا على إقامتها، وعلى ذلك قوله:
{ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ } [الأنعام: 72] أي: دوموا على إقامتها. ويحتمل قوله: { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي: جعلوها قائمة أبداً.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً }.
يحتمل كل نفقة: الصدقة والزكاة وما ينفق على عياله وولده، { سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } أي: ينفق في كل وقت؛ سرّاً من الناس وعلانية منهم أي: ينفق على جهل من الناس؛ وعلى علم منهم؛ ينفقون على كل حال؛ لا يمنعهم علم الناس بذلك عن الإنفاق، بعد أن يكون ابتغاء وجه ربهم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ }.
أي: يدفعون بالحسنة السيئة، ثم يحتمل وجهين:
أحدهما: يدفعون بالإحسان إليهم العداوة التي كانت بينهم؛ كقوله:
{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ... } الآية [فصلت: 34]. والثاني: يدرءون الإساءة التي كانت لهم إليهم بالخير إليهم والمعروف، ولا يكافئون بالسيئ السيئ؛ وبالشر الشر؛ ولكن يدفعون بالخير.
وقال بعضهم: في قوله: { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي: إذا سُفه عليهم حلموا، والسفه سيئة؛ والحلم حسنة.
{ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }.
أي: عقبى أولئك الذين صبروا؛ على ما ذكر؛ من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا؛ والصبر على أداء ما أمر به وافترض عليهم؛ والانتهاء عما نهى عنه - الدار التي دعاهم إليها بقوله:
{ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25].
والثاني: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } أي: عقبى حسناتهم دار الجنة، وأولئك لهم عقبى هذه الدار الجنة، أو عاقبتهم دار الجنة.
ثم نَعَتَ تلك الدار؛ فقال: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا }.
عدن: قال أهل التأويل: عدن: هو بطان الجنة؛ وهو وسطها، وقال بعضهم: عدن هو الإقامة؛ أي: جنات يقيمون فيها؛ يقال: عدن: أي: أقام.
وقوله: - عز وجل -: { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ }.
فإن قيل: كيف خص بالذكر الآباء والأزواج والذرية؛ وهم قد دخلوا في قوله: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } وفي قوله: { يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } فما معنى تخصيصهم بالذكر؟
هذا يحتمل وجوهاً:
أحدها: أنهم أسلموا؛ فاخترموا؛ أي: ماتوا كما أسلموا؛ ولم يكن لهم مما ذكر من الخيرات والحسنات؛ فأخبر أن هؤلاء [يدخلونها - أيضا -] ويلحقون بأولئك.
والثاني: لم يبلغوا الدرجة التي بلغ أولئك؛ فأخبر - عز وجل - أنه يبلغهم درجة أولئك ويلحقهم به؛ كقوله:
{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... } الآية [الطور: 21] يضم بعضهم إلى بعض في الآخرة كما كانوا في الدنيا، يضم كل ذي قرين في الدنيا قرينه إليه في الآخرة.
وفي قوله: { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } وما ذكر دلالة أن صلاح غيره وإن قرب منه لا ينفعه؛ حتى يكون في نفسه صلاح، حيث قال: { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ... } إلى آخر ما ذكر؛ وهو ما قال لنوح:
{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود: 46] دل هذا أن صلاح والده أو قريبه لا يجدي له نفعاً في الآخرة والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ }.
هذا يحتمل أن يكون لمقامهم ومنازلهم أبواب؛ فيدخل عليهم من كل باب ملك.
والثاني: يحتمل أن [يكون] يأتي كل ملك بتحفة [غير التحفة] التي أتى بها الآخر على اختلاف خيراتهم وقدر أعمالهم.
{ مِّن كُلِّ بَابٍ } أي: من كل نوع من التحف. وفيه وجهان:
أحدهما: أن الملائكة يكونون خدم أهل الجنة، وفي ذلك تفضيل [البشر] عليهم.
أو أن يكون على حق المصاحبة؛ لما أحبوا هم أهل الخير من البشر في الدنيا؛ لخيرهم؛ فجعل الله بينهم الرفقة، والصحبة في الآخرة والله أعلم بذلك.
وقوله - عز وجل -: { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } كقوله:
{ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } [إبراهيم: 23].
وقوله - عز وجل -: { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } هو ما ذكرنا في قوله أولئك لهم عقبى الدار.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } العهد قد ذكرناه في غير موضع، وكذلك النقض.
وقوله - عز وجل -: { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ }.
كل حرف من هذه الحروف يقتضي معنى الحرف الآخر؛ إذا نقضوا العهد، والميثاق: قد قطعوا ما أمر الله به أن يوصل؛ وسعوا في الأرض بالفساد، وإذا قطعوا ما أمر الله به أن يوصل: نقضوا العهد؛ وسعوا في الأرض بالفساد؛ إلا أن يقال: إن نقض العهد يكون بالاعتقاد؛ وذلك يكون [بينهم وبين ربهم]، وكذلك قطع ما أمر الله به أن يوصل إذا كان الأمر الذي أمر به صلة الإيمان بالنبيين والكتب جميعاً؛ فإن كان صلة الأرحام؛ فهو فعل؛ والسعي في الأرض بالفساد فعل أيضاً؛ من زناً أو سرقة أو قطع الطريق، وغير ذلك من المعاصي [ما كان، فهو الإفساد في الأرض والله أعلم. والإفساد في الأرض يحتمل: منعهم الناس [من] الإيمان به وتصديقه أو غيره من المعاصي] أو قطع الطريق.
وقوله - عز وجل -: { وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } يحتمل ما أمر الله به أن يوصل: ما ذكرنا من وصل الإيمان ببعض الرسل بالكل وبجميع الكتب، ويحتمل: صلة الأرحام التي فرض عليهم صلتهم؛ قطعوا ذلك.
أو أمرهم أن يصلوا أعمالهم بما اعتقدوا.
وقوله - عز وجل -: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }.
اللعنة: هي الطرد - في اللغة - والإبعاد؛ كأنهم طردوا وأبعدوا عن رحمة الله في الآخرة، أو طردوا وأبعدوا من هداية الله وإرشاده في الدنيا.
{ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }.
قد ذكرنا أنهم دعوا إلى دار؛ وحذروا عن دار: دعوا إلى دار السلام؛ فإن أجابوا فلهم الحسنى؛ على ما ذكر، وحذروا عن دار الهوان؛ [فإن لم يحذروا فلهم] دار السوء والهوان.
أو سماها سوء الدار؛ لما يسوء مقامهم فيها، أو ذكر لأهل النار سوء الدار مقابل ما ذكر لأهل الجنة: حسن المآب وحسن الثواب والحسنى.