التفاسير

< >
عرض

سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٤٢
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٤٣
-البقرة

تأويلات أهل السنة

قوله: { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا }.
هذا - والله أعلم - وعد كان وعده عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحوله إلى الكعبة من بيت المقدس، وإخبار عما يقول له اليهود وقبل أن يحول وقبل أن يقولوا له شيئاً.
ألا ترى إلى قوله:
{ قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } [البقرة: 144]، أنه لو لم يكن فيها وعد بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة لكان تقلب وجهه إلى السماء بذلك تخييراً منه وتحكماً عليه.
وليس لأحد على الله التخيير والتحكم عليه في الأحكام والشرائع ولا في غيرها، فدل أنه على الوعد له ما فعل. والله أعلم.
ثم فيه إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان أخبره على ما أخبر من التحويل إلى الكعبة.
[والقول منهم نقل أنه علم ذلك بالله واختلف في قوله { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ } قيل: هو اليهود، وقالوا ذلك عند تحويل القبلة إلى الكعبة].
وذلك أنهم لا يرون نسخ الشرائع والأحكام؛ لأنه كالبداء والرجوع عنها.
وذلك فعل من يجهل عواقب الأمور، كبانٍ بنى بناءً ثم نقضه لجهل منه به.
لكن ذلك منهم جهل بمعرفة النسخ وقدره.
ولو عرفوا ما النسخ ما نفوا نسخ الشرائع والأحكام.
وأما النسخ عندنا: فهو بيان منتهى الحكم إلى وقت ليس فيه بداء ولا نقض لما مضى، بل تجديد حكم في وقت بعد انقضاء حكم على بقاء الأول لوقت كونه، ليس على ما فهمت اليهود من البداء والنقض لما مضى كالبناء الذي وصفوا. وبالله التوفيق.
وإن كانت الآية في غير اليهود من أهل مكة، على ما يقول بعض أهل التفسير، فقالوا: لما رجع محمد إلى قبلتنا من القبلة الأولى يرجع إلى ديننا. فقال الله عز وجل: { قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ }.
قل يا محمد: لله المشرق والمغرب والأمكنة كلها والنواحي؛ يأمر بالتوجه إلى أي ناحية شاء شرقاً وغرباً، فالطاعة له في الائتمار لأمره، والقبول لدعائه، لا للتوجه نحو الشرق أو نحو الغرب لِهَوى هووا ولتمنٍّ تمنوا؛ لأن اليهود جعلوا قبلتهم المغرب اتباعاً لهواهم، لا اتباعاً لأمر أمروا به.
وكذلك النصارى اتخذوا المشرق قبلة لهوى أنفسهم؛ فأخبر الله تعالى المؤمنين أنهم يأتمرون بالله حيث ما أمروا توجهوا نحوه.
وقوله: { يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.
هذا على المعتزلة؛ لأنه أخبر عز وجل أنه { يَهْدِي مَن يَشَآءُ }، ولا جائز أن يهدي وهو لا يهتدي. وهم يقولون: شاء أن يهدي ولكن لم يهتدوا.
قوله: { مَن يَشَآءُ } على أن مشيئة الهداية ليست للكل على ما قالت المعتزلة؛ أن هدايته بيان وذلك للجميع.
وفيه دليل نسخ السنة بالكتاب؛ لأن القبلة إلى بيت المقدس لم تكن مذكورة في الكتاب، بل عملوا على سنة الأولين الماضين، وهذا على الشافعي؛ لأنه لا يرى نسخ الكتاب بالسنة إلا بعد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا عمل به صار سنة، فهو نسخ السنة بالسنة، لا نسخ بالكتاب.
فهذا منه قبيح فاحش.
وفيه نبذ الكتاب وهجره، وقد نهينا عنه، والتحكم على الله عز وجل؛ لأنه لم يجعل الكتاب من القدر ما يقع فيه الزجر على ما كان عليه آنفاً لولا علمه صلى الله عليه وسلم. فنعوذ بالله من السرف في القول والزيغ عن الهدى.
ولكن لم يعرف ما النسخ وما قدره، ولو علم لما قال بمثله. وهو عندنا: ما ذكرنا من بيان منتهى الحكم إلى وقته، ولله جل جلاله نصب الأحكام والشرائع في كل وقت، يبين ذلك مرة بالكتاب، وتارة على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم. وبالله التوفيق.
وكما جعل له صلى الله عليه وسلم أن يعمل به، فنسخ الكتاب فيه تلك الشريعة. فكذلك في غيره من الناس. والله أعلم.
وقوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }.
{ وَكَذَلِكَ }، لا يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على العطف على ما سبق من الخطاب، وهو - والله أعلم - معطوف على قوله:
{ قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ... } الآية [آل عمران: 84]، كأنه قال: كما وفقكم على الإيمان بما ذكر، وهداكم للإسلام، كذلك جعلكم { أُمَّةً وَسَطاً } يعني عدلاً، { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ }.
ثم اختلف في قوله: { عَلَى ٱلنَّاسِ }:
قيل: "على" بمعنى "اللام" أي للناس. وهذا جائز في اللغة سائغ، كقوله:
{ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } [المائدة: 3]، أي للنصب.
وقيل: { عَلَى } بمعنى "على" أي أن يشهدوا على الأمم للأنبياء على تبليغ الرسالة، ويشهد الرسول لهم بالعدالة.
وفيه دليل قبول شهادة أهل الإسلام على أهل الكفر، ورد شهادتهم علينا؛ لأنه لو قبلت شهادتنا عليهم على التبليغ، ثم شهد أولئك بأنهم لم يبلغوا، لكن فيه تناقض. فدل أن شهادتنا تقبل عليهم، ولا تقبل شهادتهم علينا. والله أعلم.
ويحتمل قوله: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } الذين أبوا إجابة الرسل. { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } أن جحدتم الرسالة، وذلك قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً... } الآية [143]، أضاف الله إليه جعلهم { أُمَّةً وَسَطاً }. ثبت أن لله في فعل ذلك فعل به ذكر مننه. والله أعلم.
قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً }، فالوسط: العدل. أخبر - عز وجل - أنه جعل هذه الأمة عدلاً، فالعدل هو المستحق للشهادة والقبول لها.
ففيه الدلالة على [جعل إجماع هذه الأمة] حجة؛ لأنه وصفها بالعدالة، وصيرها من أهل الشهادة. فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به، لزم قبول ذلك، والحكم بما شهدوا، والشهادة فيه أنه من عند الله وقع لهم ذلك.
والثاني: قال:
{ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } [التوبة: 119]، أخبر الله عز وجل أن فيهم صدقة، يلزم اتباعهم.
والثالث: ما قال عز وجل:
{ وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [النساء: 115] ولا يجوز الوعيد في مثله إذا لم يكن ذلك هو الحق عند الله.
والرابع: قوله:
{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59]، أمر عز وجل عند التنازع الرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فدل أنه إذا لم يتنازع لم يجب الرد إلى ما ذكر. والله أعلم.
وقوله: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ }، روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: يسأل الله تعالى يوم القيامة الأمم عن تبليغ الأنبياء رسالته إليهم، فينكرون. ثم يأتي بهذه الأمة يشهدون عليهم بالتبليغ. فذلك قوله: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ }، ويشهد الرسول عليهم يعني لهم بالعدالة والتزكية. والله أعلم.
قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه -: وفي قوله: { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ }، وجهان:
أحدهما: على الكفرة. وفي ذلك دليل قبول شهادة المسلمين عليهم، ورد شهادتهم عليهم، لما يتناقض فيزول منفعة الشهادة عليهم.
والثاني: ليكون من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهود على من يكون بعدهم.
وفي ذلك دليل من تأخر الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، عن الخلاف لهم، { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } إذا خالفتموه وعصيتموه.
وقوله: { وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ }.
فهذا - والله أعلم - لما كانوا في المتابعة على قسمين:
منهم من تبعه لما وافق هواه.
ومنهم من تبعه لما علم أنه الحق من عند الله عز وجل؛ ليبين لهم ويقع علم ذلك عندهم: من المتبع له بهواه، ومن المتبع له بالأمر والطاعة له.
وقيل أيضاً في قوله: { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ }، قيل: ليعلم من يتبع الرسول ما قد علم أنه يكون كائناً، وليعلم ما قد علم أنه يوجد موجودا.
وقيل: إنه يجوز أن يراد بالعلم المعلوم. معناه - والله أعلم - إلا ليكون المتبع له، والمنقلب على عقبيه.
ثم الأصل في هذا ونحوه من قوله:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ } [محمد: 31]، أنا لا نصف الله تعالى بالعلم في الخلق، قال: غير الحال التي الخلق عليها؛ لأن وصفنا إياه بالعلم على غير الحال التي عليها الخلق يومئ إلى وصفه بالجهل؛ لأنه يجوز أن يقال: يعلم من الساكن في حال السكون حركة، أو السكون في حال الحركة، أو يعلم من الجالس قياماً، أو القائم جلوساً.
وكذلك لا يجوز أن يقال: يعلم من العدم موجوداً؛ أو من الوجود معدوماً في حال وجوده؛ لأنه وصف بعلم ما ليس، وهو محال. وبالله العصمة.
وقيل: إن كل علم يذكر على حدوث المعلوم يذكر بذكر الوقت للمحدث - بفتح الدال - أي: يسند علمه إلى المحدث بذكر الوقت؛ لئلا يفهم بذكره قدم المعلوم في الأزل.
وإذا وصفنا الله بما هو حقيقة بلا ذكر الخلق مع ذلك نصفه بالذي نصفه به في الأزل لتعاليه عن التغير والزوال وعن الانتقال من حال إلى حال. ولا قوة إلا بالله.
وقوله: { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ }.
يعني: تحويل القبلة، لكبيرة: ثقيلة، على من كان اتباعه لهواه، دون أمر أمر به، إلا على الذي يتبع أمر الله فيها ويعتقد طاعته فإنها ليست بثقيلة عليه ولا كبيرة.
وقوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }.
قال بعض أهل التفسير: إن قوماً صلوا إلى بيت المقدس ثم ماتوا على ذلك، فلما حولت القبلة إلى الكعبة قالوا: ضاعت صلواتهم التي صلوا إليها، إشفاقاً عليهم.
لكن هذا بعيد لا يحتمل؛ لأن الذي اعتقد الإسلام من الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، وعرف موقع أمر الله وأمر رسوله، لا يجوز أن يخطر ببالهم [هذا، أو يعملون لو خطر ببالهم] حتى يسألوا عن ذلك، بل كانوا أعلم بالله من أن يجد عدو لله فيهم ذلك؛ ولأنهم قوم يأتمرون بأمر الله وطاعته، ويموتون على التصديق، وعلموا أنهم مؤمنون، ثم يشككون في أحوالهم، لكن إن كان ثم سؤال فهو من اليهود الذين اعتقدوا بطلان التناسخ في الأحكام والشرائع، فكانوا يحتجون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ينهى عن التفرق والاختلاف، ثم يدعوهم إلى ذلك. أو قوم من الكفرة آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفرطوا في التكذيب له والخلاف والمعاداة، فأرادوا الإسلام، فظنوا أن ما كان منهم من العصيان والتكذيب يمنع قبول الإسلام، فأنزل الله عز وجل: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }، لما كان منكم في حال الكفر.
ألا ترى أن آخر الآية يدل عليه.
وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ }.
أخبر أنه { رَّحِيمٌ } يتجاوز عمن تاب.
أو قوم علموا ألا تناسخ في الدين ولا اختلاف فيه؛ فظنوا أن نسخ الأحكام وتبديلها يوجب اختلافاً في الدين وتفرقاً فيه.
فنقول: إن الإيمان في الأصل الذي لا يقع على اعتقاد الصلاة إلى جهة دون جهة، بل يقع على الائتمار. فالإيمان من الصحابة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، الذين ماتوا كان على اعتقاد الائتمار فهم مؤمنون باعتقاد الائتمار إلى بيت المقدس، مؤمنون باعتقاد الائتمار إلى الكعبة. فلا تفرق ولا اختلاف في الإيمان، إذ في الأصل به وقع الاعتقاد للائتمار. وبالله التوفيق.
ثم قوله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } تأويله: أي لا يضيع إيمانكم بالصلاة إلى بيت المقدس. ولو كان على الصلاة فهو لوجهين:
أحدهما: أنها إنما قامت بالإيمان، فهو سبب لها، وقد يذكر الشيء باسم سببه.
والثاني: أن اليهود عرفوه إيمانا، فورد الخطاب على ما عندهم معروف؛ كقوله:
{ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ } [الصافات: 91]، لا أن كان ثم آلهة، لكن لما عندهم، وكذلك قوله: { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [المؤمنون: 14]، لا أن كان ثم خالق سواه، ولكن لما عرفوا كل صانع خالقاً، فخرج على الخطاب على ما عرفوا هم ذلك الأول. والله أعلم.