التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

تأويلات أهل السنة

قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }.
{ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، بعد الحرمة { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ }، قبل الحرمة، { وَإِثْمُهُمَآ }، بعد الحرمة، { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }، قبل التحريم.
والمنفعة في الميسر: بعضهم ينتفع به، وبعضهم يخسر، وهو القمار.
وذلك أن نفراً كانوا يشترون الجزور فيجعلون لكل رجل منهم سهماً، ثم يقترعون، فمن خرج سهمه برئ من الثمن حتى يبقى آخر رجل، فيكون ثمن الجزور عليه وحده، ولا حق له في الجزور، ويقتسم الجزور بقيتهم.
وقيل: يقسم بين الفقراء؛ فذلك الميسر.
ثم قال: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، في ركوبهما؛ لأن فيهما ترك الصلاة، وترك ذكر الله، وركوب المحارم والفواحش.
ثم قال: { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ }، يعني التجارة، واللذة، والربح.
ثم اختلف فيه:
قال قوم: إن الخمر محرمة بهذه الآية حيث قال: { إِثْمٌ كَبِيرٌ }، والإثم محرم بقوله:
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ } [الأعراف: 33].
وقال قوم: لم تحرم بهذه الآية؛ إذ فيها ذكر النفع، ولكن حرمت بقوله:
{ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } [المائدة: 90]، والرجس محرم، وقال الله تعالى: { مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [المائدة: 90]، وعمل الشيطان مرحم.
ثم أخبر في أخرها أنه:
{ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ } [المائدة: 91]، وذلك كله محرم.
والأصل عندنا في هذا: أنهم أجمعوا على حرمة الميسر مع ما كان فيه من المنافع للفقراء وأهل الحاجة والمعونة لهم؛ لأنهم كانوا يقتسمون على الفقراء، فإذا حرم الله هذا ثبت أن المقرون به أحق في الحرمة مع ما فيه من الضرر الذي ذكرنا. والله أعلم.
وقال الشيخ،رحمه الله تعالى، في قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ }: ولم يبين في السؤال أنه عن أي أمرهما كان السؤال؟ وأمكن استخراج حقيقة ذلك عن الجواب بقوله: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، كأن السؤال كان "عما فيهما"؟ فقال: فيهما كذا.
وعلى ذلك قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [البقرة: 220] كأن السؤال عما يعمل في أموال اليتامى، من المخالطة وأنواع المصالح، وكذلك قوله:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [البقرة: 222]، كأنه قال: عن غشيان في المحيض، إذ في ذلك جرى الجواب فلم يبين في السؤال لما في الجواب دليله، أو لما كان الذين سألوا معروفين يوصل بهم إلى حقيقة ذلك. والله أعلم.
وقيل: هذه الآية تدل على حرمتهما بما قال: { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، وقد قال الله تعالى:
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ } إلى قوله: { وَٱلإِثْمَ } [الأعراف:33]، ثبت أن الإثم محرم.
وأكثر السلف على أن الحرمة فيهما ليست بهذه الآية، ولكن بقوله:
{ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ } [المائدة: 90].
وقوله: { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، يبلغ أمر الخمر والميسر إلى ما يكون فيهما { إِثْمٌ كَبِيرٌ }، من نحو ما بين عند السكر والميسر في سورة المائدة من وقوع العداوة والبغضاء والصد عما ذكر، { فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ }، في ذلك الوقت بوجوه:
أما في الخمر: إلى أن يسكر، وفي التجارة فيها.
وفي الميسر: لما كان يفرق ما فيه ذلك على الفقراء، وما فيه من التجارة ونحو ذلك.
وعلى التأويل الأول يخرج قوله: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، أي: في الشرب والعمل إذ حرما، { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ }، قبل أن يحرما. والله أعلم.
ثم الذي علينا: أن نعرف حرمتهما اليوم إن كانت في هذه الآية أو لم تكن، فينتهي الانتفاع بهما ويحذر ذلك، وقد بين الله الكافي من ذلك في سورة المائدة، وجاءت الآثار في تحريمهما، على ما في الميسر من الخطر والجهالة التي جاءت الآثار على كون أمثالها في حكم الربا، وفي الخمر ما لا يتخذ للمنافع وإنما يتخذ للهو والطرب، وكل ذلك مما نهينا عنه، مع ما في ذلك من ذهاب العقل الذي هو أعز ما في البشر، وغلبة السفه في أهله. فحقيق لمن عقل اتقاه لو كان حلالاً؛ لما في ذلك من التبذير، فكيف وقد ظهرت الحرمة.
ثم كان معلوماً علة حرمة الخمر إذا سكر منها الشارب، ثم جاء به القرآن، وليست تلك العلة في شرب القليل منه، فلم يلحق بحق القليل غيرها، وألحق بالكثير كل شراب يعمل ذلك العمل، لما فيه المعنى الذي ذكره، إذ كانت الخمر لا تتخذ في المتعارف للمصالح ولا لأنواع المنافع، بل تتخذ لما ذكرت من اللهو والطرب، ولا يستعمل شربها إلا المعروفون بالفسق، فتكون حرمة الخمر بعينها، لا ما ذكرت من قصد العواقب بها. وكل جوهر لا يتخذ لا يقصد باتخاذ ذلك فهو غير محرم بعينه. والله أعلم.
وقوله: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ }.
{ ٱلْعَفْوَ }: هو الفضل عن القوت، وذلك أن أهل الزروع كانوا يتصدقون بما يفضل عن قوت سنة، وأهل الغلات يتصدقون بما يفضل عن قوت الشهور، وأهل الحرف والأعمال يتصدقون بما يفضل عن قوت يوم، ثم نسخ ذلك بما روي عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال:
"الزكاة نسخت كل صدقة كانت، وصوم شهر رمضان نسخ كل صوم كان، والأضحية نسخت كل دم كان" . فإن ثبت هذا فهو ما ذكرنا.
وروي عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، قال: كان هذا قبل أن تفرض الصدقة.
دليل ذلك ظهور أموال كثيرة لأهلها في الصحابة، رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، إلى يومنا لم يخرجوا من أملاكهم، ولا تصدقوا بها، ولا أنكر عليهم؛ فثبت أن الأمر في ذلك منسوخ، أو هو على الأدب.
وقوله: { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }.
وقوله: { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ }.
قيل: أما في الدنيا: فتعلمون أنها دار بلاء وفناء، وأما الآخرة: دار جزاء وبقاء، فتفكرون فتعملون للباقية منهما.
وقال الحسن: إي - والله - ومن تفكر فيهما ليعلمن أن الدنيا دار بلاء، وأن الآخرة دار بقاء.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ }، قال: يعني في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها. بل يعلم بالتفكر أن الدنيا للزوال، علم أنها هي للتزود لدار القرار، فيصرف سعيه إلى التقديم، وجهده في فكاك رقبته وإعتاقها. ولا قوة إلا بالله.
وفي قوله: { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } دلالة جواز تأخير البيان؛ لأنه أمر بالتفكر والتدبر، وجعل لهم عند الفكر الوصول إلى المراد في الخطاب، فدل أنه يتأخر عن وقت قرع الخطاب السمع.
وقوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }.
كأن في السؤال إضماراً؛ لأنه قال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ }، ولم يبين في أي حكم، وإضماره - والله أعلم - أن يقال: يسألونك عن مخالطة اليتامى. يبين ذلك قوله: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } أن السؤال كان عن المخالطة.
وكذلك قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219]، ولم يبين في أي حكم، فكأنه قال: يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار والميسر، ثم قال: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ }، دل قوله: { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } أن السؤال كان عن شرب الخمر والعمل بالميسر. وهذا جائز في اللغة، وفي القرآن كثير أن يكون في الجواب بيان السؤال أنه عما كان وإن لم يذكر في السؤال؛ كقوله:
{ وَيَسْتَفْتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي ٱلْكَلاَلَةِ } [النساء: 176]، دل ما ذكرنا من الفتيا أن الاستفتاء كان عن الميراث. وكذلك قوله: { َيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 127]، دل قوله: { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } [النساء: 127] أن السؤال كان عن نساء اليتامى. وهذا جائز؛ وربما يخرج الجواب على إثر نوازل، فيعرف مراده بالنوازل دون ذكر السؤال.
ثم السؤال يحتمل وجهين:
يحتمل: أن يكون عن مخالطة الأموال والأنفس جميعاً بقوله: { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }، فإنما حملهم - والله أعلم - على سؤال المخالطة، ما قيل: لما نزل قوله:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10]، وقوله: { فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً } [النساء: 6]، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى، فعزلوا لهم بيتا، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم، فشق ذلك عليهم جميعاً، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } الآية.
وفي الآية دليل جواز المناهدات والمؤاكلات في الأسفار وغيرها حيث أباح لهم المخالطة بأموال اليتامى. فإذا احتمل ذلك مال الصغار من اليتامى فاحتماله في مال الكبير أشد؛ إذ مال الكبير يحتمل الإباحة والإذن، ومال الصغير لا.
وفي الآية دليل جواز القليل من المعروف واليسير منه في ملك الصغير، واحتماله ذلك؛ لأنه - جل وعز - أباح لهم المخالطة مع اليتامى على العلم في الاستيفاء مبلغ الكبير بل يقصر عنه.
وفيه دليل أن علة الربا ليس هو الأكل، على ما قاله بعض الناس، ولكن هو الكيل والوزن؛ لأنه أباح لهم المخالطة في المأكول من الطعام والمشروب من الشراب، على غير كيل ولا وزن، على العلم بقصور الصغير عن الاستيفاء قدر الكبير وبلوغه مبلغه، فلو كان علته الأكل لكان لا يبيح لهم أكل الربا؛ فدل أن علته ليس الأكل، ولكن هي الفضل عن الكيل أو الوزن في الجنس.
وفيه دليل جواز بيع الثمرة بالثمرتين لخروجه عن الكيل.
وهكذا كل شيء خرج عن الكيل والوزن، لترك للناس مكايلته وموازنته، وإن كان كيليّاً يجوز بيع واحد باثنين. والله أعلم.
وفيه دليل أن لا بأس بأن يؤدب الرجل اليتيم بما هو صلاح له. وذلك كما يؤدب ولده وأن يعلمه بما فيه الاعتياد لمحاسن الأخلاق والتوسيع، كما أمر بالصلاة إذا بلغ سبعاً، والضرب عليها إذا بلغ عشراً اعتياداً. ألا ترى أنه روي في الخبر: "شر الناس الذي يأكل وحده ويشرب وحده". وفي المخالطة التخلق بالأخلاق الحسنة، وفي تركها التخلق بالأخلاق السيئة، والاعتياد بعادة السوء.
وقوله: { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ }، فيه دليل إضمار، وهو طلب الصلاح لهم: إما بالتولي لهم في أموالهم والنظر لهم بما يعقب نفعاً لهم، وطلب التخلق بالأخلاق الحسنة الاعتياد بالعادة المحمودة؛ فذلك (إصلاح) خير، بطلبكم الصلاح لهم، أو خير لهم بما يعود نفع ذلك إليهم. وإلا فظاهر الصلاح حسن لكل أحد، فلا وجه لتخصيصهم به؛ فدل أنه على طلب النفع والنظر لهم. والله أعلم.
[وقوله: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ }، فيه دليل الترغيب؛ كقوله:
{ ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } [الأحزاب: 5]، رغبهم عز وجل بما أخبر أنهم { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } [الأحزاب: 5]، بطلب الصلاح والنظر والنفع لهم، إذ يستوجب بعضهم قبل بعض المعونة لهم والحفظ والصلاح، كقوله: { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الحجرات: 10]. دل قوله: { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } [الأحزاب: 5]، على أن الصغير قد يعق والديه في أمر الدين، ويجوز منهم التدين إذا عقلوه وإن لم يكونوا بلغوا. والله أعلم].
ثم أوعدهم عز وجل بقوله:
{ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ }.
أي - والله أعلم - يعلم طالب النفع والنظر لهم من طالب الفساد والإسراف في أموالهم.
وقوله: { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ }.
قيل: يضيق عليكم، ولم يأذن لكم بالمخالطة معهم.
وقيل: لأعنتكم، فلم يرض لكم في الخلطة.
وقيل: لأحرجكم. وهو واحد.
وأصل العنت: الإثم، كقوله تعالى:
{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة: 128]، يعني: أثمتم.
وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
فيه وعيد لهم على ما ذكرنا. والله أعلم.