التفاسير

< >
عرض

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ
١٣٧
هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ
١٣٨
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
١٣٩
-آل عمران

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ }.
يحتمل أحكاماً، والأحكام تكون على وجهين: حكم يجب لهم، وهو الثواب عند الطاعة، واتباع الحق، وعذاب يحل بهم عند الخلاف والمعصية.
ويحتمل "السنين": الأحكام المشروعة.
{ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } حتى تروا آثار من كذب الرسل وما حلَّ بهم من العذاب؛ بالتكذيب.
أو { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ }: أي سلوا من يعلم ما الذي حل بهم حتى يخبروكم ما مضى من الهلاك في الأمم الخالية، فهذا تنبيه من الله - عز وجل - إياهم أنكم إن كذبتم الرسول - فيحل بكم ما قد حلَّ بمن قد كان قبلكم، وإن أطعتم الرسول صلى الله عليه وسلم - فكلم من الثواب ما لهم، فاعتبروا به كيف كان جزاؤهم بالتكذيب.
وما في القرآن مثل هذا فمعناه: لو سئلت لأخبروك.
وقيل: { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ }: أي: تفكروا في القرآن يخبركم عن الأمم الماضية؛ فكأنكم سرتم في الأرض، وما في القرآن مثل هذا - فمعناه: لو سألتَ لأخبروك؛ فإن فيه خبر من كان قبلكم من الأمم، وما لهم من الثواب بالتصديق والطاعة، وما عليهم من العقاب بالتكذيب، والله أعلم.
وفيه قوله - عز وجل -: { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ } يحتمل في المكذبين بالرسل والمصدقين، { فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يحتمل: لو سرتم فيها لرأيتم آثارهم، ولعرفتم بذلك ما إليه ترجع عواقب الفريقين.
ويحتمل: الأمر بالتأمّل في آثارهم، والنظر في الأنباء عنهم؛ ليكون لهم به العبر، وعما هم عليه مزدجر.
ويحتمل "السنن": الموضوع من الأحكام، وبما به امتحن من قبلهم؛ ليعلموا أن الذي بلوا به ليس ببديع؛ بل على ذلك أمر من تقدمهم؛ كقوله:
{ قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } [الأحقاف: 9]، وكقوله - عز وجل -: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } [آل عمران: 144]، والله أعلم.
وقوله: { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ }.
يحتمل قوله: { هَـٰذَا بَيَانٌ } يعني: القرآن؛ هو بيان للناس، وهدى من الضلالة. { وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } أي: يتعظ به المتقون.
ويحتمل: { بَيَانٌ لِّلنَّاسِ }: ما ذكر من السنن التي في الأمم الخالية.
دل قوله - عز وجل -:
{ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } [آل عمران: 140] أن لله في صرف الدوْلة إلى أهل الشرك فعل وتدبير؛ إذ أضاف ذلك إليه ما به الدولة، ثم ذلك معصية وقهر وتذليل، فثبت جواز كون ما هو فعل معصية إلى الله من طريق التخليق والتقدير، والله أعلم؛ إذ ذلك لهم بما هم عصاة به - عز وجل - والله أعلم.
وقوله: { وَلاَ تَهِنُوا }:
ولا تضعفوا في محاربة العدو، ولا تحزنوا بما يصيبكم من الجراحات والقروح؛ كقوله - تعالى -:
{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [آل عمران: 140] ويحتمل قوله - عز وجل -: { وَلاَ تَهِنُوا }: في الحرب وأنتم تعلمون لله؛ إذ هم لا يضعفون فيها، وهم يعملون للشيطان.
وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَحْزَنُوا } على ما فاتكم من إخوانكم الذين قتلوا.
ويحتمل: ما أصابكم من القروح؛ أي: تلك القروح والجراحات لا تمنعكم عن قتال العدو؛ ولكم الآخرة والشهادة.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ }.
قيل فيه بوجوه:
قيل: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } في الآخرة.
وقيل: { الأَعْلَوْنَ } المحقون بالحجج.
وقيل: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ } في النصر؛ أي: ترجع عاقبة الأمر إليكم.
ويحتمل أن النصر لكم إن لم تضعفوا في الحرب، ولم تعصوا الله - عز وجل - ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل: { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ }:
لكم الشهادة إذا قتلتم؛ وأحياء عند الله، وهم أموات.
وقوله - عز وجل -: [{ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ }].
ليس على الشرط؛ ولكن على الخبر؛ كقوله - عز وجل -:
{ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ } [البقرة: 228] أي: إذ كن يؤمن [بالله]، وإن كنتم مؤمنين بالوعد والخبر.