التفاسير

< >
عرض

وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
١٦
وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٧
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ
١٨
وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٩
وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
٢٠
-الأحقاف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز وجل -: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً } و { حُسْناً } [العنكبوت: 8]؛ كأنه قال: أمرنا الإنسان أن يحسن إلى والديه، فالحسن: هو اسم ما يقع بهم من البر، وهو المفعول، والإحسان هو اسم فعله الذي يفعل بهم.
وقوله - عز وجل -: { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً }، وقال في آية أخرى:
{ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14]، وقال في آية أخرى: { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } [الأعراف: 189] أي: إنها في أول ما حملت [حملت] حملا خفيفاً، فلما كبر أثقلت، وهو وصف الولد.
وقوله - عز وجل -:
{ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14] وذلك في الأم؛ لأنها لا تزال تضعف وتوهن من أول ما حملت إلى آخر ما وضعت.
وقوله - تعالى - { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } في أول ما تحمل تجد كراهة في نفسها إلى وقت وضعها.
والثاني: يشبه أن يكون على الجمع في الأم دون الولد على اختلاف الأحوال، وهو في الابتداء يخف عليها الحمل، ويثقل ذلك عليها إذا دنا وقت وضعها، وما ذكر من الوهن فهو ما ذكرنا أنها لا تزال تزداد ضعفاً فيها ووهناً من أوّل حملها إلى وقت وضعها، وما ذكر من الكراهة فهو إذا تم حملها شق ذلك عليها، وكذلك الوضع، لا شك أن ذلك يشق عليها.
والتأويل الأوّل على التفريق في حال يرجع الوصف إلى الولد، وفي حال إلى الوالدة، والثاني يرجع ذلك كله إلى وصف الأم، وعلى التأويلين حصل التوفيق بين الآيات؛ لرجوعها إلى اختلاف الأحوال، فأمكن الجمع بين الكل في أحوال، والاختلاف إنما يكون في حال واحد، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } اختلف فيه:
قال بعضهم: إن الآية نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حملته أمه كرهاً؛ أي: بمشقة، ووضعته بمشقة، ثم وضعته على تمام ستة أشهر.
وقال بعضهم: الآية نزلت في الحسن أو الحسين - رضي الله عنهما - وضعته [أمه] على ما ذكر في المدّة.
ثم منهم من يقول: الآية وإن نزلت في نازلة بعينها، لكن ما ذكر من الحكم فذلك في كل إنسان وهو أن يكون الولد ثابت النسب من الأب بهذه المدة، فإنه روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أتي بامرأة وضعت في ستة أشهر، فأراد أن يرجمها، فقال ابن عباس - رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين، إن الله - تعالى - قد جعل في كتابه مخرجاً؛ قال الله - تعالى -:
{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233]، وقال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } ستة أشهر لحملها، ورضاعه سنتين، فأخذ بقول ابن عباس - رضي الله عنه - ودرأ عن الرجم.
وكذلك روي عن عثمان - رضي الله عنه - أنه أتي بامرأة وضعت لستة أشهر، فهمّ أن يرجمها، فقال له ابن عباس: أما إنها لو خاصمتكم بكتاب الله خصمتكم، ثم تلا هذه الآية.
وكذلك ذكر عن علي - رضي الله عنه - أن عثمان - رضي الله عنه - لما أمر برجم المرأة التي وضعت لستة أشهر، فسمع علي - رضي الله عنه - فأتى عثمان - رضي الله عنه - فقال له: ما صنعت؟ فقال له عثمان - رضي الله عنه -: وهل تلد المرأة الولد التام لستة أشهر؟ قال: نعم، ثم تلا عليه هذه الآية.
فهؤلاء الصحابة - رضي الله عنهم - قد رأوا الآية في كل امرأة وضعت لتلك المدة في حق ذلك الحكم الذي ذكر، والله أعلم.
ثم روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: إذا وضعت المرأة لستة أشهر أرضعته حولين كاملين؛ لأن الله - تعالى - يقول: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعته ثلاثة وعشرين شهراً، وإذا وضعته لتسعة أشهر، أرضعته أحداً وعشرين شهراً، فعلى قياس هذا جائز أنها [إن] وضعته لسنتين أن يكفي رضاع ستة أشهر، يزاد وينقص على ذلك القدر؛ ألا ترى أنه روي أن المرأة التي حملت سنتين ولدت وقد ثبتت له سنتان؛ فمثل هذا الولد لا يحتاج من الرضاع ما يحتاج الذي ولد لستة أشهر؛ لذلك كان ما ذكرنا.
ثم إذا احتمل النقصان عن الحولين؛ لما ذكرنا جازت الزيادة على الحولين؛ على ما قال أبو حنيفة -رحمه الله - لأن ما ذكر من الحولين إنما هو رضاع أقل الحمل، وهو ستة أشهر؛ لأن الذي ولد لستة أشهر كان إلى الاغتذاء بالطعام أبعد من الذي ولد لتسعة أشهر؛ لضعفه في نفسه، والذي ولد لتسعة أشهر فهو إلى الاغتذاء بالطعام أقرب منه، والذي ولد لسنتين هو أقرب إلى الاغتذاء بالطعام من المولود لتسعة أشهر؛ لقوته وقلة حاجته إلى الغذاء باللبن، فإذا كان قوله - تعالى -:
{ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233] هو أقل رضاع يكون؛ لأنه ذكر للمولود لأقل الحمل؛ حيث قال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً } ثم قال: { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14] فإذا كان أقل احتمل الزيادة التي ذكر أبو حنيفة -رحمه الله - وهو ستة أشهر على السنتين، كما يصير رضاع أكثر الحمل ستة أشهر، واعتبر في الباب إلى قوة الولد، واحتمال الغذاء بالطعام، وعدم الاحتمال، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً... } إلى آخر [ما] ذكر.
دلت هذه الآية على أن الآية التي ذكرنا نزلت في نازلة؛ حيث أخبر أنه إذا بلغ ذلك المبلغ قال: { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ... } الآية.
ثم قوله - تعالى -: { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } ذكر أوّل ما يشتد عقله، ويدخل في القوة إلى الوقت الذي يكون على الزيادة، فإذا جاوز ذلك الوقت يأخذ في الانتقاص، وهو أربعون سنة.
وقال أهل التأويل: بلوغ الأشد هو ثماني عشرة سنة إلى أربعين، وهو ما ذكرنا: أنه أول وقت دخوله في الزيادة والقوة إلى الوقت الذي إذا بلغ ذلك يأخذ في النقصان، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } دل قوله: { وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ } على أن [على] الرجل شكر ما أنعم على والديه وأحسن إليهما كما يلزمه شكر ما أنعم عليه؛ لما يكون بدء إسلام الأولاد الصغار بالوالدين وما لهما من النعم يصل نفعها إليهم - أيضاً - فيلزمهم شكر ما أنعم عليهم بالإيمان والنعم في وقته.
وقوله - عز وجل -: { وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ } هذا على كل مسلم أن يدعو بمثل هذا الدعاء، يسأل ربه التوفيق على عمل صالح يرضاه.
وقوله - عز وجل -: { وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ } هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: أصلح لي ذريتي؛ على طرح حرف { فِي } منه؛ كقوله:
{ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً } [آل عمران: 38]، وقوله - عز وجل -: { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ } [مريم: 5-6]، والله أعلم.
ثم قوله - تعالى -: { أَوْزِعْنِيۤ }: ألهمني.
وفيه دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنه سأل ربه أن يوزعه شكر ما أنعم عليه، ومن قولهم أن ليس على المرء الشكر إلا بعد إعطاء جميع ما به يشكر حتى لا يبقى عنده مزيد؛ فيكون مثل هذا الدعاء من العباد ردّاً على قولهم؛ لأنهم يسألون ما يعلمون أن ليس عنده ذلك، وأنّه لا يملكه، وكذلك قوله: { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ }، ومن قولهم أنه ليس عنده ما يغيثه، فيخرج دعاؤهم على ما ذكرنا على مذهبهم، وبالله العصمة.
وقوله - عز وجل -: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } كأنْ لهم عملان: حسنات وسيئات، فأخبر أنه يتقبل عنهم حسناتهم، ويجزيهم جزاءها، ويتجاوز عن سيئاتهم ويكفرها، ولا يجزيهم جزاءها؛ فضلا منه ورحمة، والمراد من الأحسن: الحسن، ويجوز ذلك في اللغة.
وقوله - عز وجل -: { وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } أي: ذلك الذي أخبر وذكر أنه يفعل لهم هو وعد الصدق يفي ذلك لهم، وهو قادر على وفاء الوعد، ومن يكون منه الخلف في الوعد في الشاهد إنما يكون لأحد وجوه ثلاثة:
إما لعجز يمنعه عن وفاء ما وعد.
أو جهل وبدو شيء رآه فرجع عن ذلك.
أو حاجة.
والله - سبحانه وتعالى - يتعالى عن ذلك كله؛ للقدرة الذاتية، والغنى الذاتي، والعلم الأزلي، والله الموفق.
وقوله - عز وجل -: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ... } إلى آخر ما ذكر.
خرج أهل التأويل هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - ووالدته فلانة، والآية الأولى في أبي بكر ووالديه، وهي قوله: { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ } فيقولون: إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - أطاع والديه وأمر بالإحسان إليهما، والشكر لهما، وسأل التوفيق في الشكر له به على ما أنعم عليه وأنعم على والديه، وعبد الرحمن ابنه قد عصى والديه وخالفهما فيما يدعوانه إليه، وقال لهما قولا رديّاً؛ حيث قال: { أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ } من القبر وأحيا { وَقَدْ خَلَتِ } من قبلي من القرون فلا أراهم بعثوا، ونحو ذلك من الكلام.
إلا أن هذا لا يصح؛ لأن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في أجلة الصحابة - رضي الله عنهم - فالظاهر أنه لم يكن منه مثل هذه المجادلة؛ ولأن أهل التأويل قالوا: إنه كان قال لوالديه: إن كان ما تقولون حقّاً أخرجوا فلاناً وفلاناً؛ ذكر نفراً من أجداده، فقال: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ... } الآية، ولا يحتمل أن يكون هذا جواب ما تقدم من القول؛ لأنه في وجوب ما ذكر - وهو استحقاق العذاب عليهم - منع العود والإحياء في الدنيا، ولأنهم لو كانوا يعادون لا يسقط ذلك الذي حق عليهم؛ إذ هم لا يؤمنون؛ ألا ترى أن الله - تعالى - قال:
{ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [الأنعام: 28].
لكن جائز أن تكون الآيتان في رجلين من ولد بني آدم مع والديهما: أطاع أحدهما والديه وأجابهما إلى ما دعواه إليه، وأبى الآخر إجابة والديه إلى ما دعواه إليه، وخالفهما في أمرهما فاستغاث والداه ممن عصاهما وخالفهما في أمرهما وقالا ما ذكر في الآية، وقال من أجابهما ما ذكر، وهو كما ذكرنا في قوله - تعالى -:
{ حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً } [الأعراف: 189] صرف أهل التأويل بأجمعهم هذه الآية إلى آدم وزوجته حوّاء - عليهما السلام - وقلنا نحن: جائز أن يكون هذا في كل والد ووالدة يقولان ما ذكر ويدعوان إلى ما ذكر، فلما آتاهما ما ذكر من الصلاح كانا ما ذكر، فعلى ذلك جائز أن تكون الآيتان اللتان ذكرناهما تكونان في كل ولد مع والديه: من أجاب والديه ومن عصاهما - والله أعلم - فلا تصرف الآية إلى من ذكروا إلا ببيان من الله - تعالى - على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: أنها في كذا وكذا، وفي فلان وفلان، على طريق التواتر، فعند ذلك يقال ما قالوا، فأما إذا لم تثبت النصوص والإشارة إلى قوم بالتواتر فالكف عن ذلك أسلم، والله أعلم.
ودل قوله: { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ } أن عند الله لطفاً لو أعطى ذلك لآمن.
وقوله: { وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ } [أي:] فيقولان: { وَيْلَكَ آمِنْ }، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } من خير أو شر { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي: ليوفينهم أجر أعمالهم، وجزاء أعمالهم من خير أو شر { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } أي: لا ينقصون من خيراتهم، ولا يزداد لهم في سيئاتهم.
وقوله - عز وجل -: { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا }، وقال في آية أخرى:
{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } [الأحقاف: 34]، وقال في آية أخرى: { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } [الزمر: 71]، ونحوها؛ يذكرهم بهذه الآيات وأمثالها؛ ليعرفوا ما كان منهم، وما استوجبوا من العقوبات إنما استوجبوا بما كان منهم في الدنيا من التكذيب والاستهزاء بآياته؛ لينزجروا عن ذلك.
ثم قوله - عز وجل -: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } يخرج على وجهين: أحدهما أذهبتم طيباتكم التي أعطيتموها في منافعكم وأتلفتموها ولم تؤدوا شكرها، ولم تقوموا بوفائها، والله أعلم.
والثاني: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا } أي: أتلفتموها، ولم تكتسبوا بها الطيبات الموعودة في الآخرة والنعم الدائمة، فكل ما أعطى في هذه الدنيا من الأموال إنما أعطى ليستعينوا بها على عمل الآخرة، وليتزودوا بها، ويجعلوها زداً للآخرة، فأما إذا جعلوها في غير ذلك فهو إتلاف، وجعل في غير ما جعل، وذلك وبال عليهم وحسرة، وهو ما قال الله - تعالى -:
{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } [الأنعام: 32] وكذا ذكر: { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ } [آل عمران: 117]، فكل نفقة كانت في غير ما ذكر من الاستعانة على زاد الآخرة والتزود لها فهي لحياة الدنيا، وهي لعب ولهو، وهو ما ذكر من الريح فيها صرّ، والله أعلم.
وقوله - عز وجل -: { فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ } أي: عذاب تهانون فيه، يهينكم ذلك العذاب.
وقوله - عز وجل -: { بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } يحتمل استكبارهم الذي ذكر على الرسل، استكبروا على الرسل فتركوا اتباعهم، فاستكبروا على آياته.
وقوله - عز وجل -: { وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ } والفسق هو الخروج عن أمر الله تعالى.