التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٣٠
فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
١٣٢
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ
١٣٣
-الأعراف

تأويلات أهل السنة

قوله - عز جل -: { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ }.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: { بِٱلسِّنِينَ } قال: بالجوع، وقيل: بالقحط.
ومجاهد: { بِٱلسِّنِينَ } قال: بالجوائح ونقص من الثمرات دون ذلك.
وقال القتبي: بالسنين: بالجدب؛ يقال: أصاب الناس سنة: أي جدب.
فإن قيل: ذكر أنه أخذ آل فرعون، وكان فيهم بنو إسرائيل فما معنى التخصيص؟
قيل: يحتمل أن يكون ذلك لهم خاصّة دون بني إسرائيل، وإن كانوا فيهم؛ على ما ذكر في بعض القصّة أن القبط كانوا يشربون الدم وبنو إسرائيل الماء، أو كان الجدب والنقص من الثمرات يضر آل فرعون، ولا يضر بني إسرائيل؛ لما أنهم كانوا يأكلون للشهوة وبنو إسرائيل للحاجة، فمن يأكل للحاجة كان أقل حاجة إلى الطعام ممن يأكل للشهوة؛ فإذا لم يجدوا ما يأكلون للشهوة كان أضر بهم.
ألا ترى أنه قيل:
"يأكل المؤمن في معيٍّ واحد والكافر لسبعة أمعاء" .
أو خرج تخصيص ذلك لهم لما أن في عقد بني إسرائيل أن [لله أن] يمتحنهم بجميع أنواع المحن: مرة بالشدة ومرة بالسعة، ومن عقد القبط لا، فأضيف إليهم ذلك لما لم يكن في عقدهم ذلك، وإن كانوا جميعاً في ذلك.
وقوله - عز وجل -: { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }.
أي: يتعظون، "ولعل" من الله واجب قد اتعظوا لكنهم عاندوا وكابروا، وإلا قد لزمهم الاتعاظ.
وقوله - عز وجل -: { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ }.
أي: الخصب والسعة { قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ }، أي: هذا ما كنا نعرفه أبداً وما جرينا على اعتياده، أو أن يقولوا: لنا هذه بفرعون وبعبادتنا له.
{ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ }.
قيل: الضيق والقحط.
{ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ }.
وقال بشؤمه، وهذا كما قال العرب لمحمد:
{ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [النساء: 78] كانوا يضيفون ما يصيبهم من الحسنة إلى الله؛ لأنهم كانوا يقرون بالله، والقبط لا فيقولون ذلك من فرعون أو على الاعتياد.
فقال:
{ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [النساء: 78]؛ فعلى ذلك قال ها هنا: { أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ }. ثم يحتمل هذا وجوهاً:
قيل: جزاء تطيرهم عند الله في الآخرة.
وقيل: طائرهم وشؤمهم الذي كانوا تطيروا بموسى كان بتكذيبهم موسى؛ أضاف ذلك إلى ما عنده من الآيات؛ لأنهم بنزول تلك الآيات وإرسالها عليهم تطيروا بموسى، [وبتجدد] تلك الآيات تجدد تطيرهم وتشاؤمهم.
وقال بعضهم: قوله: { إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ }، أي: حظهم عند الله، وكذلك قال في قوله:
{ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ } [الإسراء: 13]، وهو كما ذكر: { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125] لما كذبوا تلك الآيات زاد ما نزل [بهم] من الآيات من بعد رجساً إلى رجسهم، فعلى ذلك شؤمهم وطائرهم الذي كان بتكذيبهم موسى.
وقوله - عز وجل -: { يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ }: من الطيرة، وهو من التشاؤم، يقال: تشاءمت بفلان، أي: قلت: هو غير مبارك، وتطيرت بفلان - أيضاً - مثله، ويقال: تبركت به إذا قلت: هو مبارك، ويقال: تطيرت واطيرت منه وبه.
{ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ }، أي: شؤمهم ذلك الذي يخافون منه هو من عند الله، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }: بأنه [كان] من عند الله، كان بتكذيبهم موسى.
وقوله - عز وجل -: { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }.
قال أبو بكر الكيساني: تأويله: كل ما تأتينا به تزعم أنه آية، تريد أن تسحرنا بها، فما نحن لك بمؤمنين.
وقال ابن عباس، والحسن: هو: أي ما تأتينا { بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا... }، الآية.
وقوله "مه" زيادة، وهو قول القتبي، ومعناه: أي ما تأتنا.
وقال الخليل: هو في الأصل ["ما"ما"] إحداهما زيادة، فطرحت الألف وأبدلت مكانها هاء؛ طلباً للتخفيف.
وقال سيبويه النحوي: قوله: { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ }، [أي]: مه أي كأنهم قالوا له: مه، أي: اسكت، كما يقول الرجل لآخر: مه، أي: اسكت، "ما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين".
والسحر: هو التحيير، وأخذ الأبصار، ولا حقيقة له؛ كقوله:
{ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } [الإسراء: 101] أي: متحيراً، وقوله: { سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ } [الأعراف: 116].
ثم دل قولهم: { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أن ما قالوا: إن هذا ساحر، وإنه سحر عن علم بالآية والنبوة له قالوا ذلك، لا عن جهل وغفلة حيث قالوا: { مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } ذلك منهم إياس من الإيمان به، وقبول الآيات لأنهم أخبروا أنهم لا يقبلون الآيات، ولا يصدقونه في ذلك.
وقوله - عز وجل -:{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ... } إلى آخر ما ذكر.
قال أهل التأويل: [لما قالوا ذلك] أرسل الله بعد السنين ونقص الثمرات الطوفان والآيات التي ذكر، ويحتمل أن يكون هذا وإن كان مؤخراً في الذكر فهو مقدم؛ لما قال: { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ } { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ } إلى آخره. { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أي: يتعظون.
ثم اختلف أهل التأويل في الطوفان:
قال بعضهم: [الطوفان]: الماء والمطر حتى خافوا الهلاك، وهو قول ابن عباس.
وعن عائشة، قالت:
"سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطوفان، فقال: الموت" ، فإن ثبت فهو هو.
وقيل: الطوفان: هو أنواع العذاب.
والجراد: هو المعروف.
والقمل، قال بعضهم: هو بنات الجراد، يقال: الدباء.
وقيل: هو الجراد الصغار التي لا أجنحة لها.
{ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ }.
قيل: مفصلات، أي معرفات، واحداً بعد واحد، لم يرسل آية إلا بعد ذهاب أخرى، بعضها على إثر بعض.
وقيل: مفصلات، أي: بينات واضحات، ما علم كل أحد أنه [ليس من أحد] وليس من عمل السحر، ولكن آية سماوية إذ لو كان سحراً لتكلفوا في دفعه، واشتغلوا بالسحر على ما اشتغلوا بسحر العصا والحبال، فإذ لم يتكلفوا في ذلك، [و] لم يشتغلوا بدفع ذلك، بل فزعوا إلى موسى ليكشف ذلك عنهم، ووعدوه الإيمان به، وإرسال بني إسرائيل معه، دلّ فزعهم إليه في كشف ذلك عنهم على أنهم قد عرفوا أنه ليس بسحر، ولكنه آية أقرّوا بها أنّها ليست بسحر، وأنها آيات إلا أنهم فزعوا عند ذلك إلى موسى فقالوا: { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ }: { لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا ٱلرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } ووعدوه الإيمان به، وبعث بني إسرائيل معه إن كشف عنهم الرجز.
وقوله - عز وجل -: { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } اختلف فيه:
قال بعضهم: { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ما عهد لك أنك متى دعوته أجابك.
وقيل: { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أنَّا متى آمنا بك وصدّقناك كشف عنا الرجز، فقالوا: لئن كشف عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل.