التفاسير

< >
عرض

إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ
٩
وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
١٠
-الأنفال

تأويلات أهل السنة

قوله: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } كيف خافوا كل هذا الخوف حتى وصفهم بشدة الخوف كأنما يساقون إلى الموت وقد وعد لهم النصر والظفر بقوله: { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } وكيف استغاثوا ربهم في ذلك وقد سبق منه لهم الوعد بالظفر والنصر.
[قيل:] قد يمكن أن تصرف الآية إلى المنافقين، وهو قوله: { كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } غير أنه ذكر في بعض القصة أنه لم يكن ببدر منافق بل كانوا كلهم مؤمنين حتى افتخر بذلك من شهد بدرا، أو إن كان في المؤمنين فهو ما ذكرنا لقلة عددهم وضعفهم وكثرة أولئك وعدتهم كانوا كما وصف، والله أعلم.
لكن الآية تحتمل وجوهاً:
أحدها: أمكن أن يكون الوعد لهم بالنصر بين لرسوله ولم يبين لهم؛ فألقى في قلوبهم الرعب والخوف لما لم يبين لهم الوعد بالنصر.
أو بين لهم وبلغهم الوعد بذلك لكن لم يبين لهم الوقت متى يكون ذلك؛ ألات ترى أنهم أمروا بالخروج ولا يدرون إلى ماذا يؤمرون.
والثالث: يجوز أيضاً أن بين لهم الوعد بالنصر وبلغهم ذلك، غير أنهم خافوا ذلك وكرهوا خوف طبع وكراهة النفس لا كراهة الاختيار، وجائز الخوف في مثل هذا وكراهة الطبع وإن كانوا على يقين بالنصر والظفر وتحقيق ذلك لهم.
والرابع: يجوز أن يكون الوعد لهم بالنصر والظفر بالتضرع إليه والاستغاثة منه، على ما يكون في الدعوات، يكون شقاوة بعض ودخوله النار بمعاصي يرتكبها، وسعادة آخر ودخوله الجنة بخيرات يأتي بها فيصير من أهلها.
والخامس: جائز أن يكون ذلك من الله لهم محنة يمتحنهم بها كقوله:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ... } الآية [البقرة: 155]، يحتمل معنى الآية الوجوه التي ذكرنا، والله أعلم.
ثم اختلف في قوله: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ... } الآية؛ قال بعضهم: هو صلة قوله:
{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } [آل عمران: 123].
قالوا قوله: { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } ألفان، وقوله:
{ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } [آل عمران: 124] فيكون خمسة آلاف مسومين.
ومنهم من يقول: ثلاثة كان في أحد؛ إذ ذكر على أثر قصة أحد، فإن كان ما ذكروا فكأن قوله: { مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } إما في أرداف الكفرة وهو المتتابع، تابع أهل بدر المشركين وهم منهزمون، أو أن يكون الإرداف الإمداد فيكون ألفان.
وقال بعض أهل التأويل: إن قوله: { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ } هو رسول الله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم [لما] رأى كثرة المشركين ببدر علم أنه لا قوة لهم إلا بالله، فدعا ربه وتضرع [إليه]، ولكن ذلك قولهم عندنا والله أعلم، أعني قول المؤمنين؛ ألا ترى أنه قال:
{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ } [آل عمران : 124] بكذا والله أعلم بذلك، وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة، سوى أن فيه البشارة لهم بالنصر والطمأنينة لقلوبهم وإنباء أن حقيقة النصر إنما يكون بالله لا بأحد سواه، وذلك قوله: { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } لا يذله شيء ولا يعجزه { حَكِيمٌ } في أمره ونهيه لا يأمر بشيء ولا ينهى عن شيء إلا وفيه حكمة، وفائدة ما ذكر من بعث مدد ألف ملك وثلاثة آلاف، وما ذكر لطمأنينة قلوب أولئك المؤمنين، وإلا ملك واحد كاف لهم وإن كثروا لأنه يراهم ولا يرونه، وإهلاك مثله سهل.