التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٣٠
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
٣١
-يوسف

حاشية الصاوي

قوله: { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ } اختلف في عدتهن، فقيل خمس وقيل أربعون، وجمع بينهما، بأن أصل الإشاعة كان من خمس وهن: امرأة صاحب الملك، وامرأة صاحب دوابه، وامرأة خبازه، وامرأة ساقيه، وامرأة صاحب سجنه، ونسوة اسم جمع لا واحد له من لفظه. قوله: { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ } مبتدأ، وقوله: { تُرَاوِدُ فَتَاهَا } خبر أول، وقوله: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً } خبر ثان، وحباً تمييز محول عن الفاعل، والأصل قد شغف حبه قلبها. قوله: { فَتَاهَا } الفتى هو الشاب القوي. قوله: (أي دخل حبه شغاف قلبها) الشغاف جلدة رقيقة على القلب، تمنع أذى الطعام والشراب عن القلب، وحينئذ يكون المعنى: أن حبه خرق تلك الجلدة، ووصل القلب وسكنه، وقيل: إن معنى شغفها صار محيطاً بقلبها كما يحيط الشغاف بالقلب، حتى لا تكاد تنظر لغيره. قوله: (خطأ) { مُّبِينٍ } أي حيث تركت ما يليق بها من العفة والستر وأحبت غير زوجها. قوله: { بِمَكْرِهِنَّ } أي حديثهن، وسمي مكراً لأنهن طالبن بذلك رؤية يوسف، لأنه قد وصف لهن حسنه وجماله، فتعلقن به وأحببن أن يرينه. قوله: (غيبتهن) إنما سميت الغيبة مكراً، لإخفائها عن المغتاب كما يخفى المكر.
قوله: { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي وكن أربعين امرأة من أشراف المدينة، فصنعت لهن ضيافة عظيمة. قوله: { وَأَعْتَدَتْ } أي هيأت وأحضرت. قوله: { مُتَّكَئاً } سمي الطعام بذلك لأنه يتكأ عنده، على عادة المتكبرين من أكل الفواكه حال الإتكاء قوله: (وهو الأترج) بضم الهمزة وسكون التاء وضم الراء وتشديد الجيم جمع أترجة، ويقال فيه ترنج، والأولى هي الفصحى. قوله: { سِكِّيناً } أي خنجراً، وكان من عادتهن أكل الفواكه واللحم بالسكين. قوله: { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } أي وقد زينته بأحسن الزينة وحبسته في مكان آخر.
قوله: { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ } مرتب على محذوف تقديره فخرج فلما رأينه إلخ. قوله: (أعظمنه) أي هبنه ودهشن عند رؤيته من شدة حسنه وجماله، يقال إنه ورث حسن آدم يوم خلقه الله عز وجل قبل أن يخرج من الجنة، وقيل: إنهن أعظمنه لأنهن رأين عليه آثار النبوة والمهابة وعدم الالتفات إليهن، فوقع الرعب في قلوبهن وتعجبن منه. قوله: { وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أي جرحنها حتى سال الدم، قال وهب: مات منهن جماعة. قوله وقلن: { حَاشَ } بإثبات ألف بعد الشين وحذفها قراءتان سبعيتان، وهذا بالنظر للنطق، وأما في الرسم فلا تكتب فيه ألف بعد الشين.
قوله: { مَا هَـٰذَا بَشَراً } أي معاذ الله أن يكون هذا بشراً، إنما هذا ملك كريم على ربه. قوله: { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } المقصود من هذا، إثبات الحسن العظيم ليوسف، لسماعهم أنه لا شيء أحسن من الملك، ولأنه لما كان الملك مطهراً من بواعث الشهوة مهاباً، لا تحكم عليه الصورة شبه به. قوله: (شطر الحسن) أي نصفه، والمعنى أن الله خلق حسناً، فأعطي يوسف نصفه، وقسم نصفه بين الخلائق.