التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّيۤ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ
٤٣
قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ
٤٤
وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ
٤٥
-يوسف

حاشية الصاوي

قوله: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ } إلخ. أي لما أراد الله الفرج عن يوسف، وإخراجه من السجن، رأى ملك مصر رؤيا عجيبة أهالته، فجمع سحرته وكهنته ومعبريه، وأخبرهم بما رأى في منامه، وسألهم عن تأويلها، فأعجزهم الله جميعاً، ليكون ذلك سبباً لخلاص يوسف من السجن. قوله: (أي رأيت) أشار بذلك إلى أن المضارع بمعنى الماضي، استحضاراً للحال الماضية، وحاصل رؤياه: أنه رأى في منامه، سبع بقرات سمان قد خرجن من البحر، ثم خرج بعدهن سبع بقرات عجاف، في غاية الهزال والضعف، فابتلعت العجاف السمان ودخلت في بطونها، ولم ير منهن شيء، ولم يتبين على العجاف شيء منها، ورأى سبع سنبلات خضراً قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات قد استحصدن، فالتوت اليابسات على الخضر حتى علون عليهن، ولم يبقى من خضرتهن شيء. قوله: (جمع عجفاء) أي جمع سماعي والقياس عجف، قال ابن مالك: فعل لنحو أحمر وحمراً. قوله: { خُضْرٍ } أي انعقد حبها، قوله: { وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } أي بلغت أوان الحصاد، وهو معطوف على سبع، ويكون قد حذف اسم العدد منه، لدلالة ما قبله عليه.
قوله: { يٰأَيُّهَا } أي السحرة والمعبرون. قوله: { تَعْبُرُونَ } من عبر بالتخفيف، يقال عبر البحر جاوزه، وعبر الرؤيا فسرها، كأن المعبر لما فسر الرؤيا خلص من ورطتها، كالذي يجاوز البحر، وزيدت اللام في الرؤيا تقوية للعامل، لتأخره عن معموله. قوله: (فاعبروها لي) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، دل عليه ما قبله. قوله: { أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ } أي تخاليطها جمع ضغث، وأصله ما جمع وحزم من النبات، كالحزمة من الحشيش، استعير للرؤيا الكاذبة، والمعنى أنهم قالوا: إن هذه الرؤيا اخلاط أحلام من الشيطان فلا تعبر، وهذا لفرط عجزهم وجهلهم بتعبيرها، على العادة أن من جهل شيئاً عاداه.
قوله: { وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا } إلخ، أي بعد أن جلس بين يدي الملك وقال له إن في السجن رجلاً عالماً بتعبير الرؤيا. قوله: { وَٱدَّكَرَ } إنا حال من { ٱلَّذِي } أو عطف على { نَجَا }. قوله: (فيه إبدال التاء) أي تاء الافتعال، والأصل إذتكر بتاء بعد الذال، قلبت التاء دالاً فاجتمع متقاربان، أبدل الأول من جنس الثاني وأدغم. قوله: (وإدغامها في الذال) المناسب قلب العبارة بأن يقول: وإدغام الذال في الدال أي بعد فلبها دالاً. قوله: { بَعْدَ أُمَّةٍ } بضم الهمزة وتشديد الميم، هي في الأصل الجماعة من الناس، ثم أطلق على الجماعة من الأيام. قوله: (حين) أي وهو سنتان أو سبع أو تسع. قوله: (حال يوسف) أي من كونه عالماً بتعبير الرؤيا.
قوله: { فَأَرْسِلُونِ } إنما جمع وإن كان الخطاب لواحد لأجل التعظيم. قوله: { فَأَرْسِلُونِ } أشار بذلك إلى أن الكلام حذف ثلاث جمل، وجملة مجيء الرسل ليوسف في السجن أربع مرات: الأولى في قوله: (فأرسلوا يوسف) إلخ. والثانية في قوله:
{ { فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ } [يوسف: 50]. والثالثة في قوله: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ } [يوسف: 52]. والرابعة في قوله: { وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي } [يوسف: 54] إلخ.