التفاسير

< >
عرض

مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٠٦
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
١٠٧
أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٠٨
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { نَنسَخْ } من النسخ وهو لغة الإزالة والنقل، يقال نسخت الشمس الظل أزالته، ونسخت الكتاب نقلت ما فيه، واصطلاحاً بيان انتهاء حكم التعبد إما باللفظ أو الحكم أو بهما، فنسخ اللفظ والحكم كعشر رضعات معلومات يحرمن. ونسخ اللفظ دون الحكم: الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة. ونسخ الحكم دون اللفظ كقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ } [البقرة: 180] الآية نخست بآية المواريث وبقوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث" ، وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ } [البقرة: 240] الآية، فنسخت بقوله تعالى: { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } [البقرة: 234] إلى غير ذلك. قوله: (إما مع لفظها) أي كعشر رضعات الخ. قوله: (أو لا) أي بأن نزيل حكمها فقط، قوله: (أو جبريل) في الحقيقة بينهما تلازم. قوله: (فلا نزل حكمها) أي لا ننسخه بل نبقيه وقوله: (ونرفع تلاوتها) أي ننسخه، فعلى هذا التفسير دخل تحت قوله ما ننسخ من آية حكمان من أحكام النسخ، وهما نسخ الحكم واللفظ أو الحكم فقط وتحت قوله أو ننسأها الحكم الثالث وهو نسخ اللفظ دون الحكم. قوله: (أو نؤخرها في اللوح المحفوظ) أي لا نطلعكم عليها ولا نعلمكم بها، وعلى هذا التفسير فقد دخل تحت قوله ما ننسخ الأحكام الثلاثة. قوله: (في قراءة بلا همز) المناسب أن يقول وفي قراءة بضم النون من غير همز. قوله: (من النسيان) الأولى أن يقول من الإنساء لأنه مصدر الرباعي. قوله: (أي نمحها من قلبك) أي وقلب أمتك بأن يبقى الحكم دون اللفظ أو يمحيان. قوله: (في السهولة) أي كقوله تعالى: { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } [الأنفال: 66] الآية. قوله: (أو كثرة الأجر) أي كقوله تعالى: { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185] بعد قوله: (وعلى الذين يطيقونه فدية) فليس ثواب من خير بين الأمرين كثواب من تحتم عليه الصوم.
قوله: { أَوْ مِثْلِهَا } أي كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة، فإنه لا مشقة في كل، وليس احدهما أكثر ثواباً من الآخر. قوله: (والإستفهام للتقرير) أي أقر واعترف بكون الله قديراً على كل شيء. قوله: { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ما حجازية ولكم خبرها مقدم، ومن دون الله حال من ولي ومن زائدة وولي اسمها مؤخر، ولا نصير معطوف على ولي ولا زائدة لتأكيد النفي، ويحتمل أنها تميمية، وما بعد مبتدأ وخبر ويحتمل أن من في قوله من دون الله زائدة أو أصلية متعلق بما تعلق به الخبر. قوله: { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } الفرق بين الولي والنصير أن الولي قد يضعف عن النصرة، والنصير قد يكون أجنبياً من المنصور، فبينهما عموم وخصوص من وجه. قوله: (أن يوسعها) أي بإزالة الجبلين المحيطين بها. قوله: (ويجعل الصفة ذهبا) أي وغير ذلك مما ذكره الله في سورة الإسراء: في قوله تعالى:
{ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً } [الإسراء: 90] الآية، هكذا ذكر المفسر، واستشكل ذلك بأن هذه السورة مدنية، والسؤال من أهل مكة كان قبل المهاجرة، فالحق أن يقال إن سبب نزولها سؤال يهود المدينة إنزال كتاب الله من السماء، بدليل أن السورة مدينة وأن السياق في خطاب اليهود، ووجود أم التي بمعنى التي للإضراب الإنتقالي، المفيد أن له تعلقاً بما قبله. قوله: { رَسُولَكُمْ } أي محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه رسول الخلق أجمعين.
قوله: { كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ } بني الفعل للمجهول للعلم بالفاعل. قوله: (وغير ذلك) أي من قولهم (ادع لن ربكم يخرج لنا مما تنب الأرض) ومن قولهم: (اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة) ونحو ذلك قوله: { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ } استئناف لبيان حال من تعنت على نبيه. قوله: { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } من إضاف الصفة للموصوف أي السبيل السواء بمعنى المستوي. قوله: (أخطأ طريق الحق) أي فقد شبه الدين الحق بالطريق المستوي بجامع أن كلا يوصل للمقصود.