التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢١٥
كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٢١٦
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { يَسْأَلُونَكَ } أي أصحابك المسلمون. قوله: { مَاذَا يُنْفِقُونَ } ما اسم استفهام مبتدأ، وذا اسم موصول بمعنى الذي خبره، وجملة ينفقون صلته والعائد محذوف أي ينفقونه، والمعنى أن أصحابك يسألونك عن الشيء الذي ينفقونه هل ينفقون مما تيسر ولو حراماً أو يتحرون الحلال، وفي الآية حذف سؤال آخر دل عليه الجواب، والتقدير وعلى من ينفقون، والسؤال عن صدقة التطوع بدليل الجواب. قوله: (السائل عمرو) أي إنما جمع السائل في الآية لأن التكليف لكل مسلم، فكان هذا السائل ترجماناً عن كل مسلم، وإنما اعتنى بذلك السؤال لأن الإنسان يوم القيامة ورد أنه يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. قوله: (فسأل النبي الخ) أي وحينذ ففي الآية اكتفاء في السؤال حيث حذف الشق الثاني واكتفى بجوابه. قوله: { مِّنْ خَيْرٍ } أي حلال. قوله: (الذي هو أحد شقي السؤال) أي المذكور في الآية، قوله: (وأجاب أي عن الصرف الخ) أي الذي سؤاله مطوي.
قوله: { وَٱلأَقْرَبِينَ } أي من أولاد وإخوة وأعمام وعمات، وهو من عطف العام على الخاص، وصرح بذكر الوالدين وإن دخلا في الأقربين اعتناء بشأنهما. قوله: { وَٱلْيَتَامَىٰ } جمع يتيم وهو من فقد أباه وهو دون البلوغ، وقدم اليتامى على المساكين لعجزهم عن التكسب. قوله: { وَٱلْمَسَاكِينِ } المراد بهم ما يشمل الفقراء. قوله: { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } أي الغريب المسافر. قوله: { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } ما شرطية، وتفعلوا فعل الشرط، وما بعد الفاء جوابه، وأتى بتلك الجملة طمأنينة للمؤمن في الاكتفاء بوعد الله في المجازاة لأنه وعد بها ووعده لا يتخلف، ومع ذلك لا يغيب عن علمه مثقال ذرة، فيلزم من علمه بالخير من العبد مجازاته عليه، والأسرار بنفقة التطوع أفضل لأن صاحبها من جملة من يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلى ظله. قوله: أو غيره) أي كالكلام اللين الطيب. قوله: { فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي وقد التزم جزاءه وحقيق بأن ينجزه.
قوله: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ } أي وكان فرضه بعد الهجرة بعد أن نهى رسول الله عنه في نيف وسبعين آية، وهو فرض عين إن فجأ العدو، وكفاية إن لم يفجأ بأن كان في بلده ونحن الطالبون له. قوله: (الكفار) أي الحربيين أهل الذمة فيحرم قتالهم. قوله: (طبعاً) أي فهو مكروه من جهة الطبع ولا يلزم من كون الطبع كرهه أنه كاره حكم الله به، بل هو من باب مخالفة النفس. قوله: { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً } الترجي في كلام الله ليس على بابه بل هو للتحقيق لأنه خبر من أحاط بكل شيء علماً، وعسى هنا تامة تكتفي بمرفوعها قال ابن مالك:

بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد غنى بأن يفعل عن ثان فقد

قوله: { وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } جملة حالية من قوله شيئاً أو صفة له، فاستشكل كل منهما بأن الحال لا يتأتى من النكرة بدون مسوغ وبأن الصفة لا تقترن بالواو. وأجيب عن الأول بأن إتيان الحال من النكرة بدون مسوغ قليل، وعن الثاني أن الصفة أجريت مجرى الحال في جواز اقترانها بالواو، قوله الموجبة لسعادتها أي فالسعادة في طاعة الله والشقاوة في معاصيه. قوله: (إما الظفر والغنيمة) أي لمن عاش. قوله: (أو الشهادة والأجر) أي لمن مات. قوله: (لأن فيه الذل) أي بغلبة العدو علينا. وقوله: والفقر) أي لكونه يسلب مالنا. وقوله: (وحرمان الأجر) أي المترتب على الجهاد في سبيل الله وهو مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف، وغير ذلك مما وعد الله به المجاهدين. قوله: (وأرسل النبي) هذا بيان لسبب نزول هذه الآيات ومن هنا إلى آخر الربع. قوله: (أول سراياه) أي وكانت تلك السرية إذ ذاك رجال وقيل اثني عشر، أرسلهم النبي لمحل يقال له نخلة جهة الطائف يتجسسون على الكفار ويأتون بأخبارهم، فبينما هم في ذلك الموضع إذ مرت بهم عير لقريش من جهة الطائف ومعها أربعة رجال، فقتل أهل السرية أحد الأربعة وأسروا اثنين وهرب واحد وغنموا العير وما عليها، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين. وأعلم أن جملة سراياه وغزواته سبعون، والسرية من خمسة رجال إلى أربعمائة وما فوقها يقال لها جيش، ثم صريح المفسر يقتضي أنه لم يكن قبلها سرية، والذي ذكره في المواهب أو أول سرية كانت في رمضان سابع شهر من هجرته عليه الصلاة والسلام، والثانية في شوال، والثالثة في صفر، وهذه هي الرابعة، وغزا قبل تلك السرية ثلاث غزوات إلا أن يجاب عن المفسر بأن المراد بأول سراياه التي حصل منها القتل والغنيمة للكفار، وأما ما قبلها فلم يقع فيها قتل ولا غنيمة، قوله: (وعليها عبد الله بن جحش) أي أميراً وهو ابن عمة رسول الله. قوله: (فقاتلوا المشركين) أي الذين كانوا مع العير. قوله: (والتبس عليهم برجب) أي حيث رأوا الهلال كبيراً فالتبس عليهم هل هو ابن ليلة أو ليلتين قول: (تعيرهم الكفار باستحلاله) أي حيث قال الكفار للمسلمين أنتم قد استحللتم القتال في الأشهر الحرم.