التفاسير

< >
عرض

فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { فِي } (أمر) { ٱلدُّنْيَا } أي فتصلحوها ولا تسرفوا ولا تقتروا. قوله: { وَٱلآخِرَةِ } أي فتصلحوها بالأعمال الصالحة، فلا تشددوا حتى تملوا، ولا تتركوا حتى تغفلوا بل التوسط مطلوب في أمر الدنيا والآخرة.
قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } سبب نزولها أنه لما نزل قوله تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [النساء: 10] اشتد الكرب على أولياء الأيتام فشكوا لرسول الله ذلك فقالوا يا رسول الله إنا إن خالطناهم فبالضرورة لا بد من أكل شيء من أموالهم، وإن عزلناهم يلزم عليه المشقة على اليتامى وعلى أوليائهم فنزلت الآية. قوله: (وما يلقونه من الحرج) هذا بيان لوجه السؤال كأنه قال ويسألونك عما يلقونه من الحرج في شأن اليتامى، والمراد بالحرج الوعيد الوارد في سورة النساء. قوله: (فان واكلوهم) أي خالطوهم. قوله: (يأثموا) أي يقعوا في الأثم المترتب عليه الوعيد، وهذا بيان لوجه الحرج. قوله: (وإن عزلوا مالهم) أي مال اليتامى، وقوله (من أموالهم) أي الألوياء وصح العكس.
قوله: (فحرج) أي هو حرج فالجملة جواب الشرط.
قوله: { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } التنوين عوض عن المضاف إليه إي إصلاحكم لهم خير، والوعيد محمول على الأكل بنية الافساد. قوله: (بتنميتها) الباء للسببية أي بسبب زيادتها بالاتجار فيها، وفي الحديث
"اتجروا في أموامل اليتامى لا تأكلها الزكاة" . قوله: (ومداخلتكم) أي مخالطتكم لهم بأن تدخلوا أموالهم في أموالكم قوله: { خَيْرٌ } (من ترك ذلك) أي العزل واختلف في تنمية مال اليتيم بالاتجار ونحوه، فقال مالك حفظ اماله بأي وجه واجب، والأولى أن يكون بالتنمية فهي ليست واجبة وحمل حديث اتجروا على الندب واسم التفضيل على بابه فترك التنمية خير أيضاً لكن الأولى التنمية، وقال الشافعي تنميته والاتجار فيه على حسب الطاقة واجب، وحمل الحديث على الوجوب واسم التفضيل في الآية على غير بابه، فترك التنمية لا خير فيه بل هي المتعينة. قوله: (أي فهم إخوانكم) أشار بذلك إلى أنه خبر لمحذوف والجملة جواب الشرط وهذا من التعبير باللازم، ولذا أشار له المفسر بقوله (أي فكلم ذلك).
قوله: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } أي فيدخل المفسد النار والمصلح الجنة، ودفع بذلك ما يقال ربما الأولياء يدعون الاصلاح بالخلطة، والواقع غير ذلك. قوله: (بتحريم المخالطة) أي بأن يكلف الأولياء بعزل مال اليتيم وطعامه وشرابه، وإن تلف شيء من ذلك فعلى الولي. قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } هذا كالتعليل لما قبله، فالمعنى لو شاء الله عنتكم لأعنتكم لأنه غالب على أمره. قوله: { حَكِيمٌ } (في صنعه) أي يضع الشيء في محله فحيث أوجب الله حفظ مال اليتيم سوغ المخالطة وفقاً بالأولياء، والحاصل أنه يخرج من تركة أبي الأيتام مؤن تجهيزه، وأما ما أوصى به من السبح والجمع فمن ثلثه إن وسعه، وأما إن لم يوص وقد جرت العادة بذلك والمال واسع وفعل ذلك كبير رشيد، فعند المالكية يلزم الأيتام ذلك ولا يحرم الأكل منه حيث لا إسراف فيه وعند الشافعية لا يلزم الأيتام ذلك ويحرم الأكل منه، وأما إن كان المال ضيقاً فلا يلزم الأيتام ذلك اتفاقاً ويحرم الأكل منه، إلا أن يهدي للأيتام ما يفي بما أكله.