التفاسير

< >
عرض

حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ
٢٣٨
فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ
٢٣٩
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ } أتى بهذه الآية من خلال ما يتعلق بالأزواج والأولاد تنبيهاً على أنه لا ينبغي من العبد أن يشتغل عن حقوق سيده بأمر الأزواج والأولاد، قال تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [المنافقون: 9]. قوله: (بأدائها في أوقاتها) أي مع استكمال شروطها وفرائضها وسننها وآدابها، فإن فقد شيء من ذلك دخل في الوعيد، قال تعالى: { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } [الماعون: 4-5] وخص بالذكر لأنها عماد الدين، ومعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين من أقامها فقد أقام الدين، ومن هدمها فقد هدم الدين.
قوله: { وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } فعل مؤنث الأوسط بمعنى الأفضل والأخير لا بمعنى المتوسطة بين شيئين، فإنه ليس فيه مزيد مزية وهو من عطف الخاص على العام، والنكتة مزيد فضلها على غيرها كليلة القدر فهي أفضل الليالي. قوله: (هي العصر) أي لأنه وقت نزول ملائكة الليل وصعود ملائكة النهار، وبه قال الشافعي. قوله: (أو الصبح) أي لما ذكر ولما في الحديث
"بورك لأمتي في بكورها" ولأنها تأتي الناس وهم نيام، وبه قال مالك. قوله: (أو الظهر) أي لأنها أول صلاة ظهرت في الإسلام، وقوله: (أو غيرها) قيل هي المغرب لأنها وتر صلاة النهار، وقيل العشاء لأنها تأتي الناس وهم كسالى، وقيل هي الصلاة على النبي، وقيل هي صلاة الجمعة، وقيل الجنازة، وقيل صلاة العيد وحكمة إخفائها ليحافظ الإنسان على ذلك كله، كما أخفى ليلة القدر في سائر الليالي ليقوم الإنسان جميع الليالي وساعة الإجابة في يوم الجمعة والرجل الصالح في الخلق، واختار ابن العربي وابن جمرة أن الصلاة الوسطى هي مجموع العصر والصبح مستدلين بأدلة كثيرة تشهد بفضل هذين الوقتين. قوله: (وأفردها بالذكر لفضلها) أشار بذلك لنكتة عطفها على الصلوات، لأن عطف الخاص على العام يحتاج لنكتة. قوله: (قيل مطيعين) أي لا مكرهين ولا كسالى بل ممتثلين الأمر مجتنبين النهي. قوله: (وقيل ساكنين) أي إلا عن ذكر الله ويلحق به مخاطبة النبي فإنها لا تبطل الصلاة. قوله: (من عدو) أي مسلم أو كافر، وقوله: (أو سيل أو سبع) أي دافع كل منهما الناس لو توانى واحد منهم أخذه ما ذكر. قوله: (جمع راجل) أي ويجمع أيضاً على رجل بسكون الجيم، قال تعالى: { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } [الإسراء: 64] ويجمع أيضاً على رجال بتشديد الجيم المفتوحة. قوله: (أي مشاة) أي مستقبلين القبلة أم لا. قوله: (جمع راكب) هو في الأصل راكب الإبل، لكن المراد به هنا الراكب مطلقاً إبلا أو غيرها لصلاة الخوف أقسام تأتي في سورة النساء. قوله: (أي صلوا) إنما سمى الصلاة ذكراً لأنها جمعت أنواع الذكر.
قوله: { كَمَا عَلَّمَكُم } أي على الصفة التي علمكم إياها قبل حصول الخوف ولو ركعة، وحكمة الإتيان في جانب الخوف بإن التي تفيد الشك وبإذا في جانب الأمن المفيدة للتحقيق، الإشارة إلى أن الأصل الأمن وهو محقق، والخوف طارئ يزول. قوله: (وما موصولة) أي والعائد محذوف، والتقدير فأذكروا الله ذكراً مثل الذكر الذي علمكموه ما لم تكونوا تعلمون، وما الثانية بدل من ما الأولى أو من الضمير المحذوف، وقوله: (أو مصدرية) أي تسبك بمصدر، وظاهره أن الكاف أيضاً بمعنى مثل ولكنه بعيد فالأظهر أنها للتعليل، والتقدير فاذكروا الله لأجل تعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمون، وما معمول لتعليم.