التفاسير

< >
عرض

وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ
٢٣
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ
٢٤
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } استشكلت هذه الآية بوجوه ثلاثة، الأول: أن إن تقلب المضي إلى الإستقبال ولو كان الفعل كان خلافاً للمبرد القائد بأنها لا تقبله إذا كان الفعل كان واحتج بهذه الآية فيقضتي أن الريب مستقبل وليس حاصلاً الآن مع أنه حاصل أجيب عنه بأن الإستقال بالنسبة للدوام والمعنى إن دمتم على الريب. الوجه الثاني: أن إن للشك فيفيد أن ريبهم مشكوك فيه مع أنه محقق أجيب بأنه أتى بأن إشارة للائق أي اللائق والمناسب أن لا يكون عندكم ريب. الوجه الثالث: أن قوله وإن كنتم في ريب أي شك في أنه من عند الله أو من عند محمد فليس عندهم جزم بأنه من عند محمد، وقوله: { إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } يفيد أن عندهم جزماً بأنه من عند محمد فبين أول الآية وأخرها تناف أجيب بأنه أشار في أول الآية إلى عقيدتهم الباطنة وفي آخرها إلى عنادهم لإظهار الإغاظة له صلى الله عليه وسلم، فلا يخلو حالهم الباطني، إما أن يكون عندهم شك في أنه من عند الله أو تحقيق بأنه من عند الله، وإنما إظهارهم الجزم بأنه ليس من عند الله عناد. قوله: (شك) جعل الشك ظرفاً لهم إلى أنه تمكن منهم تمكن الظرف من المظروف.
قوله: { مِّمَّا نَزَّلْنَا } من حرف جر واسم موصول أو نكرة موصوفة، والعائد محذوف، والجملة صلة أو صفة، والجار والمجرور صلة لريب التقدير في ريب كائن من الذي نزلناه أو في ريب كائن من كلام نزلناه. قوله: { عَلَىٰ عَبْدِنَا } الإضافة للتشريف وقرئ على عبادنا فعلى هذه القراءة المراد بالجمع محمد وأمته لأن المكذب لمحمد مكذب لأمته. (من القرآن) بيان لما. قوله: (أنه من عند الله) الكلام على حذف الجار أي بأنه.
قوله: { فَأْتُواْ } أصله ائتيوا بهمزتين الأولى للوصل والثانية فاء الكلمة وقعت الثانية ساكنة بعد كسرة قلبت ياء واستثقلت الضمة على الياء التي هي لام الكلمة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين وضمت التاء للتجانس، وفي الدرج تحذف همزة الوصل وتعود الهمزة التي قلبت ياء كما هنا، فأتوا على وزن فافعوا. قوله: (أي المنزل) أي وهو القرآن ويشهد لهذا التفسير ما في سورة يونس (قل فأتوا بسورة مثله)، ويحتمل أن الضمير عائد على عبدنا الذي هو محمد أي فائتوا بسورة من رجل مثل محمد في كونه أمياً بشراً عربياً فإنكم مثله وحيث كان كذلك فلا بعد في مناظرته. قوله (ومن للبيان) ويحتمل أن تكون للتبعيض والأول أقرب. قوله: (في البلاغة) هذا بيان لوجه المماثلة. قوله: (أقلها ثلاث آيات) ليس من تمام التعريف بل هو بيان للواقع فإن أقصر سورة ثلاث آيات ولو فرض أنها آيتان لعجزوا أيضاً. قوله: (آلهتكم) إنما سمو شهداء لزعمهم أنه يشهدون لهم يوم القيامة. قوله: (أي غيره) أشار بذلك إلى أن دون بمعنى غيره، والمعنى ادعوا شهداءكم الذين اتخذتموهم من دون الله أولياء أو آلهة وزعمتم أنها تشهد لكم يوم القيامة، فقوله من دون الله وصف لشهداء أو حال منه وهو على زيادة من إذ تقديره شهداءكم التي هي غير الله أوحال كونها مغايرة لله، وقوله لتعينكم علة لقوله ادعوا. قوله: (فافعلوا) إشارة إلى جواب الشرط الثاني، وأما جواب الأول فهو مذكور بقوله فأتوا هكذا، قال المفسر ولكن سيأتي له في قوله تعالى:
{ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ } [البقرة: 94] الآية، وللمحلي في تفسير قوله تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ } [الجمعة: 6] الآية أنه إذا اجتع شرطان وتوسط بينهما جواب كان للأخير والأول قيد فيه ولا يحتاج لجواب ثان، والتقدير في الآية إن كنتم صادقين في دعواكم أنه من عند محمد ودمتم على الريب فائتوا بسورة من مثله وهو أولى لعدم التقدير. قوله: (فإنكم عربيون) علة لقوله فافعلوا.
قوله: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ } إن حرف شرط ولم حرف نفي وجزم وقلب وتفعلوا مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون، والجملة من الجازم والمجزوم في محل جزم فعل الشرط، وقوله فاتقوا جواب الشرط وقرن بالفاء لأنه فعل طلبي. قوله: (أبداً) أخذ التأبيد من قرينة خارجية لا من لن خلافاً للزمخشري. قوله: (اعتراض) أي جملة معترضة بين فعل الشرط وجوابه قصد بها تأكيد العجز وليس معطوفاً على جملة (لم تفعلوا) قوله: (وأنه) يفتح الهمزة على حذف الجار أي وبأنه. قوله: { ٱلَّتِي وَقُودُهَا } بفتح الواو. ما توقد به، وأما بالضم فهو الفعل وقيل بالعكس على حد ما قيل في الوضوء والطهور والسحور. قوله: (كأصنامهم منها) إنما خص الأصنام بكونها من الحجارة مسايرة للآية وإلا فالأصنام مطلقاً تدخل النار، قال تعالى:
{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] ويستثنى من ذلك عيسى والعزيز وكل معبود من الصالحين، وإنما دخلت الأصنام النار وإن كانت غير مكلفة إهانة لعبادها وليعذبوا بها لا لتعذيبها. قوله: (بما ذكر) أي بالناس الكفار الحجارة. قوله: (لا كنار الدنيا) أي كما ورد أن نار الدنيا قطعة من جهنم غمست في البحر سبع مرات ثم بعد أخذها أوقد على جهنم ثلاثة آلاف سنة، ألف حتى ابيضت وألف حتى احمرت، وألف حتى اسودت، فهي الآن سوداء مظلمة. قوله: (جملة مستأنفة إلخ) أشار بذلك إلى أن هذه الجملة لا ارتباط لها بما قبلها، وقعت في جواب سؤال مقدر تقديره هذه النار التي وقودها الناس والحجارة لمن. قوله: (أو حال لازمة) أي والتقدير فاتقوا النار حال كونها معدة ومهيأة للكافرين، ودفع بقوله لازمة ما قيل أنها معدة للكافرين اتقوا أو لم يتقوا.