التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
٢٥٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

حاشية الصاوي

قوله: { تِلْكَ ٱلرُّسُلُ } اسم الإشارة عائد الرسل المذكورين من أول السورة إلى هنا أو على المذكورين بلصقها، وأتى بالإشارة البعيدة نظراً لبعد زمنهم أو لبعد رتبتهم وعلوها عند الله. قوله: (صفة) أي أو عطف بيان أو بدل لأن المحلى بأل بعد اسم الإشارة يجوز فيه الثلاثة. قوله: (بتخصيصه بمنقبه) أي بصفة الكمال وذلك بفضل الله لا بصفة قائمة بذاته بحيث تقتضي التخصيص بالمناقب لذاته، قال تعالى: { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [النساء: 83] ما زكا منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء. قوله: { مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ } بيان للتفضيل، وقوله: (كلم الله) أي كلمة الله بغير واسطة. قوله: (كموسى) أي في الطور ليلة الإسراء، وإنما لم يشتهر بالكلام لأنه حاز منصباً أشرف من المكالمة وهي الرؤية. قوله: (أي محمداً) مثل هذا التفسير لا يقال من قبل الرأي بل هو الوارد، وقد أشار لذلك العارف بقوله:

وإن ذكروا نجي الطور فاذكر نجي العرش مفتقراً لتغنى
فإن الله كلم ذاك وحياً وكلم ذا مشافهة وأدنى
وإن قابلت لفظة لن تراني بما كذب الفؤاد فهمت معنى
فموسى خر مغيشاً عليه وأحمد لم يكن ليزيغ ذهناً

قوله: (بعموم الدعوة) أي لجميع المخلوقات حتى الجمادات والملائكة والجن، ولا يرد حكم سليمان في الجن فإنه حكم سلطنة لا رسالة. قوله: (وختم النبوة) أي فلا نبي بعده تبتدأ رسالته ويلزم من ذلك نسخ شرعه. قوله: (وتفضيل أمته على سائر الأمم) قال تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران: 110] وأما قوله تعالى في حق بني إسرائيل: { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ } [البقرة: 47] فالمراد عالموا زمانهم. قوله: (والمعجزات المتكاثرة) أي الكثيرة التي لا تحصى بحد ولا عد، قال العارف البوصيري:

إنما فضلك الزمان وآيا تك فيما نعده الآناء

قوله: (والخصائص العديدة) أي كالحوض المورود والمقام المحمود والوسيلة وغير ذلك قوله: { ٱلْبَيِّنَاتِ } أي كإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص. قوله: (يسير معه حيث سار) أي من مبدأ خلقه لأن خلقه كان على يده. قوله: (هدى الناس) مفعول لشاء، وقوله: { مَا ٱقْتَتَلَ } جواب لو، وهو إشارة لقياس استثنائي نظمه أن تقول لو شاء الله هدى الناس جميعاً ما اقتتل الذين من بعد الرسل ولكنهم اقتتلوا فلم يشأ الله هداهم جميعاً. قوله: (بعد الرسل) أي بعد مجيئهم. قوله: (أي أممهم) تفسير للذين، وقوله: { مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ } متعلق باقتتل وما مصدرية أي من بعد مجيء البينات لهم. قوله: (لاختلافهم) علة للاقتتال.
قوله: { وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ } هذا استثناء لنقيض التالي فينتج نقيض المقدم، وهو لم يشأ الله هداهم لكنه عبر بالسبب وهو الاختلاف عن المسبب وهو الاقتتال. قوله: (لمشيئة ذلك) أي فلو شاء هداهم لم يختلفوا ولم يقتتلوا، فالحق واضح ظاهر، وإنما كفر من كفر بإرادة الله عدم إيمانه فالعبد مجبور في قالب مختار. قوله: (ثبت على إيمانه) أي بإرادة الله.قوله: (زكاته) قدره إشارة إلى أن المراد الانفاق الواجب بدليل الوعيد العظيم ونحو الزكاة كل نفقة واجبة. قوله: (بغير إذنه) أشار بذلك إلى أن الآية المطلقة فتحمل على المقيدة وهي قوله تعالى:
{ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة: 255] قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية. قوله: (برفع الثلاثة) أي على أن لا نافية مهملة أو عاملة عمل ليس، لأنها إذا تكررت جاز إعمالها وإلغاؤها، وأما على القراءة الأولى فهي عاملة عمل إن تنصب الاسم وترفع الخبر. قوله: (بالله) أي فهو كفر حقيقي، وقوله: (أو بما فرض عليهم) أي بالتفريط في الفرائض وهو كفر مجازي.