التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
١٨
هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ
١٩
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ
٢٠
وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ
٢١
-الحج

حاشية الصاوي

قوله: { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ } عطف خاص على قوله: { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ونص عليها لما ورد: أن بعضهم كان يعبدها. قوله: { وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ } عطف خاص على { مَن فِي ٱلأَرْضِ } وخصها بالذكر لأن بعضهم كان يعبدها. قوله: (أي يخضع له) أشار إلى أن المراد بالسجود الخضوع والانقياد لله، وهو أحد قولين، وقيل المراد بالسجود حقيقته لأنه ورد: ما في السماء نجحم ولا شمس ولا قمر، إلا يقع ساجداً حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، وقال تعالى: { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15].
قوله: { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } أشار المفسر إلى أنه معطوف على فاعل { يَسْجُدُ }. قوله: (يشقه) أي يحتم عليه الشقاء، وهو عدم الاهتداء. قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } أي فلا حرج عليه ولا منازع له في حكمه.
قوله: { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ } اسم الإشارة يعود على المؤمنين والكفار كما قال المفسر، وسبب نزولها: تخاصم حمزة وعلى وعبيدة بن الحرث، مع عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، فكان كل من الفريقين يسب دين الآخر، وقيل نزلت في المسلمين وأهل الكتاب، حيث قال أهل الكتاب: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبينا قبل نبيكم، وقال المسلمون: نحن أحق بالله منكم، آمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا وكفرتم حسداً. واختلف هل هذا الخصام في الدنيا والتعقيب بقوله: { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الخ، باعتبار تحقق مضمونه، أو في الآخرة بدليل التعقيب، ولذا قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه: أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الله تعالى. قوله: (وهو يطلق على الواحد والجماعة) أي لأنه مصدر في الأصل، والغالب استعماله مفرداً مذكرً، وعليه قوله تعالى:
{ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ } [ص: 21] ويثنى ويجمع كما هنا. قوله: { ٱخْتَصَمُواْ } جمعه باعتبار ما احتوى عليه الفريق من الأشخاص، فالجمع باعتبار المعنى كقوله تعالى: { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [الحجرات: 9] قوله: (أي في دينه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } أي قدرت على قدر جثثهم، ففي الكلام استعارة تمثيلية، حيث شبه إعداد النار وإحاطتها بهم، بتفصيل ثياب لهم وسترها لأبدانهم وجمع الثياب، لأن تراكم النار عليهم، كالثياب الملبوس بعضها فوق بعض، وهو أبلغ من مقابلة الجمع بالجمع. قوله: { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } لما ذكر أن الثياب تغطي الجسد غير الرأس، ذكر ما يصيب الرأس، ولما ذكر ما يصيب ظاهر الجسد، ذكر ما يصيب باطنه، وهو الحميم الذي يذيب ما في البطون من الأحشاء، لما في الحديث: "إن الحميم ليصب من فوق رؤوسهم، فينفذ من جمجمة أحدهم حتى يخلص إلى جوفه، فيسلب ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان" قوله: { وَ } (تشوى به) { ٱلْجُلُودُ } أشار بذلك إلى أن الجلود مرفوع بفعل مقدر، لأن الجلود لا تذاب نظير: علفتها تبناً وماءً بارداً. ويصح أن يكون معطوفاً على ماء، ويراد بالإذابة التقطع. قوله: { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ } جمع مقمعة بكسر الميم آلة القمع أي الضرب والزجر.