التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
١٩١
رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
١٩٢
رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ
١٩٣
-آل عمران

حاشية الصاوي

قوله: (مضطجعين) أشار بذلك إلى أن قوله: { وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } متعلق بمحذوف حال، فهو حال مؤوله بعد حال صريحة. قوله: (أي في كل حال) تفسير لقوله: { قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ }. قوله: (يصلون كذلك) أي قياماً إن قدروا، فإن لم يقدروا فقعوداً، فإن لم يقدروا فعل جنوبهم. قوله: (ليستدلوا به على قدرة صانعهما) أي واتصافه بالكمالات، فالتفكر مورث للعلم والمعرفة، قال العارف أبو الحسن الشاذلي: ذرة من عمل القلوب خير من مثاقيل الجبال من عمل الأبدان. قوله: (يقولون) قدره إشارة إلى أنه حال من الواو في { يَتَفَكَّرُونَ }، والمعنى { يَتَفَكَّرُونَ } قائلين { رَبَّنَآ } إلخ وهو إشارة لثمرة الفكر، فثمرة الفكر الإستدلال والمعرفة بالله. قوله: (حال) أي من قوله: { هَذا } وهذه الحال لا يستغنى عنها فهي واجبة الذكر كقوله تعالى: { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } [الدخان: 38].
قوله: { سُبْحَانَكَ } مصدر منصوب بفعل محذوف وجوباً تقديره أسبح سبحانك، وهذه الجملة معترضة بين قوله: { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } وبين قوله: { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }. قوله: { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } هذا متسبب عن قوله: { رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً } أي فحيث وحدناك ونزهناك عن النقائض فقنا عذاب النار، لأن النار جزاء من عصى ولم يوحد.
قوله: { إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ } إلخ هذا علة لما قبله، والمعنى إنما طلبنا الوقاية من عذاب النار، لأن من أدخلته النار فقد أخزيته. قوله: (للخلود فيها) جواب عن سؤال مقدر تقديره أن قوله تعالى:
{ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } [التحريم: 8] يقتضي أن جميع المؤمنين غير مخزيين، مع أن بعض العصاة منهم يدخل النار تطهيراً لما اقترفه، وهذه الآية تدل على أن من دخل النار مخزي وأن مؤمناً. فأجاب المفسر بحمل هذه الآية على الكفار. قوله: (زائدة) أي للتوكيد في المبتدأ المؤخر، وقوله: { لِلظَّالِمِينَ } خبر مقدم. قوله: { مُنَادِياً } أي داعياً وهو على حذف مضاف أي نداء مناد قوله: { يُنَادِي } صفة لمنادياً على الصحيح، خلافاً لمن جعله مفعولاً ثانياً لسمع لأنه لا تنصب إلا مفعولاً واحداً على الصحيح. قوله: (وهو محمد) أي فإسناد النداء إليه حقيقي، وقوله: (أو القرآن) أي فإسناد النداء إليه مجازي، والمعنى منادى به.
قوله: { أَنْ آمِنُواْ } أن تفسيرية، وقوله: { بِرَبِّكُمْ } أي صدقوا بأنه يجب له كل كمال، ويستحيل عليه كل نقيص. قوله: { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } أي استرها عن أعين الخلق، وقوله: { وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا } أي غطها عنا فلا تؤاخذنا بها وامحها من المصحف، وهو ترقي عظيم في طلب المغفرة، فهو من عطف الخاص على العام. قوله: (بالعقاب عليها) أي ولا بالعتاب عليها.
قوله: { وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ } أي احشرنا معهم واجعلنا في زمرتهم، والمراد بالأبرار المطهرون الذين لم يفعلوا ذنوباً.