التفاسير

< >
عرض

قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٤٧
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ
٤٨
قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ
٤٩
قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ
٥٠
-سبأ

حاشية الصاوي

قوله: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ } يحتمل أن { مَا } شرطية مفعول لسألتكم، و { مِّن أَجْرٍ } بيان، وقوله: { فَهُوَ لَكُمْ } جواب للشرط، ويحتمل أنها موصولة مبتدأ، وقوله: { فَهُوَ لَكُمْ } خبرها، وقرن الخبر بالفاء لما في الموصول من العموم، وعلى كل فيحتمل أن المعنى: ما أسألكم أجراً البتة، فيكون كقولك لمن لم يعطك شيئاً أصلاً: إن أعطيتني شيئاً فخذه، ويؤيده قوله: { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ }، وقول المفسر: (أي لا أسألكم عليه أجراً) ويحتمل أن المعنى: لم أسألكم شيئاً يعود نفعه علي، فهو كقوله تعالى: { { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } [الشورى: 23]، وقوله: { { مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [الفرقان: 57].
قوله: { قُلْ إِنَّ رَبِّي } أي مالكي وسيدي. قوله: { يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ } مفعول { يَقْذِفُ } محذوف تقديره بقذف الباطل بالحق، ويؤيده قوله تعالى:
{ { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } [الأنبياء: 18] أي ندفع الباطل بالحق ونصرفه به، ويصح أن تكون الباء للملابسة، والمفعول محذوف أيضاً، والتقدير: يقذف الوحي إلى أنبيائه ملتبساً بالحق، أو ضمن يقذف معنى يقضي ويحكم، والأقرب الأول، لأن خير ما فسرته بالوارد. قوله: { عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } خبر ثان لأن، أو خبر مبتدأ محذوف. قوله: (ما غاب عن خلقه) أي فتسميته غيباً بالنسبة للخلق، وإلا فالكل شهادة عنده تعالى.
قوله: { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } أفاد بذلك أن الوعد منجز ومتحقق بالفعل، فليس مجرد وعد. قوله: { وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي لم يبق له بداية ولا إعادة ولا نهاية، فهو كناية عن ذهابه بالمرة، وهذا بمعنى قوله تعالى:
{ { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } [الإسراء: 81] إن قلت: إن السورة مكية، والكفر في ذلك الوقت، كان له شوكة قوية، والإسلام كان ضعيفاً، فكيف قال { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ } إلخ؟ أجيب بأنه لتحقق وقوعه نزله منزلة الواقع، فعبر عنه بالماضي كقوله: { { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1].
قوله: { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي } سبب نزولها: أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تركت دين آبائك فضللت، والمعنى: فقل لهم يا محمد: إن حصل لي ضلال كما زعمتم، فإن وبال ضلالي على نفسي، لا يضر غيري، وقراءة العامة بفتح اللام من باب ضرب، وقرئ شذوذاً بكسر اللام من باب علم. قوله: { وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ } الخ، أي لأن الاهتداء لا يكون إلا بهدايته وتوفيقه. قوله: { فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } أي بسبب إيحاء ربي إلي، أو بسبب الذي يوحيه إلي، فما مصدرية أو موصولة، والمعنى فهداي بفضل الله تعالى، فحاصل المعنى المراد، أنه إن كان بي ضلال، فمن نفسي لنفسي، وإن كان بي هدى، فمن فضل الله بالوحي إلي، على حد قوله تعالى:
{ { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء: 79]. قوله: { إِنَّهُ سَمِيعٌ } أي يسمع كل ما خفي وما ظهر، وقوله: { قَرِيبٌ } أي قرب مكانة لا مكان.